السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السيسي وعيدان الفارابي وأجولة الكلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال لي صديقي: ما رأيك في تعامل الإعلام مع السيسي وإنجازاته؟
قلت له: أرى أنه ليس بحاجة إلى ذلك.
تعجب!
فقلت له:
كل الزعماء احتاجت إلى عيدان الفارابي وخصصت أبواق إعلامية لكسب ود الناس إلا هذا الرجل، فإنه لم يلجأ إلى حيلة الفارابي في تبديل تركيب العيدان لينعس الناس، أرادهم يقظين منتبهين وإن جأروا بالاختلاف أو اشتكو، وربما أراد بذلك أن يعرف ويتيقن من مواضع الألم.. لم يضع السيسي وسيطا بينه وبين الناس فتعامل منذ البدء بنهج ثابت جعل منتقديه يفرغون كل أجولة الكلام دون أن يخشى مردود ذلك، وبينما أعدائه لاهين في مواجهة كلامية، كان هو يفعل دون أن يلتفت ويبني غير عابئ بمعاول الهدم، ويتكلم صراحة بما يجول في عقله دون خداع وتزييف.

شراك كلامية نُصبت له على مدى سنوات كانت كفيلة بإسقاط أنظمة هشة لكنه في كل معركة كان يخرج منتصرا بفعل يُخرص الألسنة ويُوطد علاقته بالناس أكثر وأكثر.
لم يُداهن السيسي ولم يتجمل ليكتسب شعبية وهمية وإنما كان يبحث عن إنجاز يخلده وصعب بل مستحيل تجاوزه.
في لحظة ما كان العالم كله يدير إليه ظهره ويوليو الدُبر، لم يستجد أحدا ولم يلهث وراء تأييد مشروط يدعمه، بل تصرف بثبات وعزة نفس وإباء جعلت العالم يخلع القطن من أذنيه ويُنصت إليه ثم يؤدي له التحية ويشد على يده.
سقطت كل الآلات الإعلامية صاحبة التمويل الضخم التي استهدفته وانفض من حولها المشاهدين، لأنه كان واعيا ومؤمنا أن سوق الكلام سينفض لا محالة وأن ما سيُرسخ في القلوب والأذهان هو الفعل الملموس على أرض الواقع.

تعامل الرجل بحسم المسئول وبقوة القائد الذي رغم إدراكه صعوبة المعركة إلا أن النصر غير مستحيل فشحذ من خلفه الهمم وبدأ بفرض الالتزام على نفسه قبل أن يعلنه قانونا على غيره.. ورتب أدواته بما يضمن تأمين بيته من الخارج فسلح جيشه بما يجعله قادرا على وضع «خط أحمر» يُرهب عدوه ولا يستطيع تجاوزه، وإن لم يكن قوله مبنيا على واقع حقيقي لسقط في هوة العنترية الزائفة.

كان الأمر جللا.. فكيف بدولة تحتضر أن تنفض من على كاهلها ثرى الموت وتهب من سكراتها تناطح الريح وتتجاوز عثراتها في غضون شهور قليلة دون أن تتسول غذائها وتفقد أمنها!.. كيف لدولة تكالب عليها الأعداء أن لا ترضخ ولا تسقط صريعة ولا تعتصرها الأزمات ويخرج شعبها فاغرا فاه يلتهم ما تبقى من أوصالها!.. كيف لدولة كانت كل مستشفياتها تعاني من نقص في الأدوية البسيطة أن تصمد أمام جائحة بطشت بأعتى الأنظمة الصحية في العالم!.. بل كيف لدولة كان شعبها في وقت ما يعاني من انقطاع متواصل للكهرباء وشُح في المواد البترولية أن تتوالى اكتشافتها النفطية وتضع نفسها رقما في الدول المصدرة للغاز والكهرباء، وأن تكون صاحبة تجربة ناجحة تتهافت عليها الدول لنقلها!.. كيف لدولة تحتضر اقتصاديا وتهرب منها الاستثمارات جراء اختناقاتها المرورية.. أن تُجري عمليات دقيقة وسريعة فتصنع شرايين جديدة من طرق وكباري وأنفاق يتحاكى بها العالم أجمع ويعود إليها الفارين باستثماراتهم مؤكدين أن ما حدث معجزة أخرجت مصر من غرفة الإنعاش إلى رغد الحياة!.
وأخيرا كيف لدولة كانت قاب قوسين أو أدنى من إعلان إفلاسها أن تحقق اكتفاء ذاتيا من السلع وتضبط الأسعار وتمنع الاحتكار بل وتصرف إعانات للعمالة غير المنتظمة وتتوسع في برنامج تكافل وكرامة وتُنشئ مظلة تأمين صحي وبرنامجا لإصلاح الأجور وتهتم بتطوير التعليم وتدعم البحث العلمي!.
ما سبق وكان وتحقق يفرض علينا أن نقول بيقين وثبات أن الرجل الذي كان دائما يردد في كل محفل تحيا مصر، كان يقصد ويؤمن ويُدرك ويُخطط ويحفظ جيدا أدواته ويُنفذ، لتحقيق ما يقوله وكتابته جليا وقويا على متون الزمن ليستعيد به مكانة وعراقة وطن بحجم مصر.
يا صديقي فصل الخطاب أن الرجل لا يحتاج إلى أقلام لتكتب عنه، لكن مصر هي التي تحتاج إلى أقلام تُدون ما يحدث بها وهو أشبه بمعجزة.. أقلاما تُدافع عنها وتنحي مآربها جانبا.. أقلاما تستشرف المستقبل.. تُطمئن.. وتشد على الحلم وتثير دوافع الأمل في نفوس الناس.. أقلاما تترفع عن البحث عن مجد شخصي.. وتؤمن أن مجد الوطن أعظم وأبقى والاصفاف رغم الاختلاف في معارك الوطن لهو الهدف الأسمى.. أقلاما غير متسرعة في حكمها على تجربة تحتاج لسنوات وسنوات لتحقيقها وتكثيف الجهد لاختصارها إنما هو استدعاء لجينات شعب فعلها وقادر على تكرارها.
يا صديقي السيسي لم يعد شخصا نختلف أو نتفق عليه وإنما بات مشروعا وطنيا وجب دعمه.. والتاريخ لا ينسى.. فما يُكتب الآن في صفحاته لم يكن بمداد فقط وإنما بدماء لن تُنسى ولن تُمح.