فى رسائل مهمة جاءت إحتفالات العالم بأعياد الميلاد، متوحّدة على حق البشر كل البشرفى حياة آمنة، تتوفر فيها أدوات الوقاية، ويقع وباء "كورونا" هذه الأيام فى القلب بين مختلف الأزمات، والدعوة لتوفير أدوات الوقاية منه، خصوصا "اللقاحات"، للجميع والفقراء منهم، بعيدا عن مفهوم "قومية اللقاح"، أي لفئة دون غيرها، أو لبشر دون آخرين.
وإذا كانت"كورونا" وحدها تجمع البشرية حاليا، فالإخوة والمحبة تجمع الشعوب من سنوات، إلا هؤلاء الطامعين فى أراضى وحقوق الغير، والهاضمين لحقوق البشر، ومصاصى الدماء الجدد، والكارهين لوحدة الناس ضد المخاطر والأوبئة، وهناك من لا يفهم أن الله خلقنا لنتوحد، وننبذ الصراعات، إلا أن هناك من يعش ويسير عكس ناموس الطبيعة.
وهناك من يظهر الحب بـ"التبويس"، إلا أن الواقع شىء آخر، فهنا يظهر الولاء والسلام والبراءة وعلى خط آخر يقتل ويسفك ويواصل التوسع فى هضم أراضى الآخرين، وتشريد أهلها والسعى للبقاء على حساب أصحاب الحق، والغريب أن هناك من يصدقهم ويفتح لهم الأبواب، تحت وازع مفاهيم السلم.
وهذه الأيام يحتفل العالم وإخواننا المسيحيين بأعياد الميلاد فى كل بقاع الدنيا، وظهرت رسائل المحبة التى نتمنى أن يعيها من يريدون الحياة لأنفسهم فقط، ويحملون في قلوبهم العداء، كل العداء للإنسانية، وكل ما هو جميل وروحانى.
وأعجبتى كلمات أقطاب الإسلام والمسيحية فى أعياد الميلاد، فهذا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وجه تهنئته للبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وجموع المسيحيين حول العالم، بمناسبة احتفالات أعياد الميلاد المجيدة، وشدد على تمنياته أن تعاد هذه المناسبة على العالم أجمع بالأمن والأمان، داعيا الله أن يخلص الإنسانية من وباء الـ"كورونا" وأن ينعم على الجميع بالصحة والسلامة والاستقرار.
هذه كلمات تحمل في مضمونها أن العالم يواجه عدوا واحدا هذه الأيام وهو "فيروس كورونا"، الذى لم يفرق بين شرق أو غرب، ولا بين شمال وجنوب، ولا بين فقير وغنى، ولا بين دولة متقدمة وأخرى نامية، ومهما فعلت البشرية فى ابتكار لقاحات لهذا الوباء الغامض، يبقى أن المولى هو الذي فيه يده الشفاء.
وفى كلمته دعا قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، فى رسالته بمناسبة عيد الميلاد، أن تكون لقاحات "كوفيد- 19" متاحة للجميع، مؤكدا أن حواجز النزعات الوطنية لا يمكن أن توقف جائحة لا تعترف بالحدود بين الدول.
ومن الواضح جدا أن الوباء والحروب، وما ترتب عليه من تداعيات على الصعيدين الاجتماعى والاقتصادى هيمن على رسائل احتفالات الأعياد والتهاني بها، فالبابا فرنسيس دعا في كلمته إلى وحدة العالم وإلى مساعدة الدول التى تتقلب فى جمر الصراعات والأزمات الإنسانية.
ولفت إلى أنه وفى هذه اللحظة من عمر التاريخ، بما تحمله من أزمات بيئية واختلالات اقتصادية واجتماعية خطيرة تفاقمها جائحة فيروس كورونا، من المهم للغاية أن نعترف ببعضنا البعض كإخوة وأخوات، وأن الصحة قضية عالمية، وأن نبتعد عما يُسمى بـ"قومية اللقاح"، التي يخشى مسئولو الأمم المتحدة من أن تفاقم الجائحة إذا كانت البلدان الفقيرة آخر من يحصل على اللقاح.
وفى إنسانية عالية تمنى البابا أن يحيى الرب فى زعماء السياسة وقادة الحكومات روح التعاون الدولى، بدءا من الرعاية الصحية، بما يضمن للجميع الحصول على اللقاحات والعلاج في مواجهة التحدى الذي لا يعترف بالحدود، لا يمكن أن نقيم الأسوار، فكلنا فى نفس السفينة.
الخوف إذن هو أن يكون هذا اللقاح، أو ذاك لقوم دون قوم، أو لدولة دون أخرى، أو لغنى دو الفقير، أو لمن يملك فقط، ومن لا يملك، فإلى الجحيم،.. العدالة فى العلاج والوقاية هى الرسالة الإنسانية التي حملتها تلك الكلمات على لسان أقطاب الأديان.
وإذا رسخ الساسة معنى الإنسانية في مفاهيهم، سيتحقق العدل في الوقاية والحماية الصحية، وهذا ما يمكن أن نفهمه من تأكيدات شيخ الأزهر فى تهنئته للبابا فرنسيس، عندما أعلى من العلاقات الإسلامية المسيحية، على كل شىء،، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الجهود التي يبذلها الإمام الطيب والبابا فرنسيس من أجل تعزيز جسور الحوار والتواصل بين كل الأديان والثقافات، وترسيخ قيم السلام والعيش المشترك بين الشعوب والمجتمعات، وهو ما يعكسه توقيع الجانبين لأهم وثيقة تعايش في العصر الحديث وهي وثيقة الأخوة الإنسانية، واستمرار التنسيق والتعاون بينهما من أجل تفعيل بنود الوثيقة على أرض الواقع من خلال اللجنة العليا للأخوة الإنسانية.
وهذا هو البابا فرنسيس يؤكد على مفاهيم الإنسانية بين البشر، والدعوة إلى السلام والمصالحة فى سوريا واليمن وليبيا وناجورنو قرة باغ وجنوب السودان ونيجيريا والكاميرون والعراق، والسلام فى فلسطين.
المؤكد أن إعلاء الإنسانية أهم الطرق للوصول إلى حالة من التصالح النفسى والتى تؤدي إلى حق الجميع فى الحياة، فكفانا تاريخ طويل من الإنحياز إلى "الأنانية"، والقوميات المغلقة، وأخرها "قومية لقاح كورونا".