الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخبز.. أسطورة واقعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتبتُ عن الخبز في إحدى القصائد (أمي تصنع أقمارًا صغيرة) وكنت أعني ذلك فعلًا، فالخبز يعطيك فرحة كبرى، حين تمر بمخبز ما وتشم رائحة الدقيق الممزوج بالماء والملح في الأفران تشعر بدلال غريب وسعادة طفولية، تعود لإحساس المرة الأولى التي فطمت فيها، لإحساس اللقمة الأولى، وكأن كل رغيف خبز يكون هو الأول دائمًا حين تمر بمخبز وتناديك الأقمار الصغيرة.
كان المصريون القدماء هم أول من صنع الخبر قبل أكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد، واخترعوه بعد أن ظلوا يمضغون القمح لفترة قبل أن يكتشفوا طحنه بالرحى الحجرية، واحتفظوا بجزء من العجينة لليوم التالي كخطوة مبدئية لاختراع الخميرة. بدءوا بتسويته على الرمال أو على الشمس قبل الأفران، ومازلت ترى الخبز الشمسي في بعض مناطق جنوب مصر، وهناك أرغفة مصرية تعود إلى ٥٠٠٠ آلاف عام في المتحف البريطاني اليوم، وكان الخبز مصدر فخر شديد لسكان هضبة حوران بسوريا قديمًا، إذ احترف سكان هذه الهضبة زراعة قمح شديد الجودة سعى له كل الملوك كي يصنعوا منه خبزهم، وكان كل ساكن للهضبة يفخر بأن أكابر ملوك الأرض لا يأكلون خبزهم إلا لو زرع بنو حوران.

واحتفى الألمانيون بالخبز حد أنهم أنشؤوا له أول متحف في التاريخ في مدينة أولم. يشتمل المتحف على ١٤٠٠٠ قطعة عرض موزعة على أقسام المتحف التي تغطي تقنيات الخبز وتاريخه، بالإضافة لمكتبة ضخمة عن الخبز، وتدير المتحف مؤسسة آيزيلين التي تشارك في العديد من أعمال مكافحة المجاعات في العالم.

إلا أن أكثر البلاد شهرة في صناعة الخبز هي فرنسا، إذ تحتضن أشهر مخبز في العالم، الذي يقدم بدوره مخبوزات خاصة لضيوفه من مشاهير العالم، حيث يصبح الخبز فنًا من فنون النجومية.

في سيناريو فيلم (As good as it gets) يحتفي مشهد النهاية بالخبز احتفاء كبيرًا جعله مرادفًا لميلاد جديد لبطل الفيلم جاك نيكلسون، إذ خرج البطل برفقة حبيبته في وقت متأخر من الليل وسط الشوارع الخالية، لنجده يقول لها: (لن يقولوا مجنونين بل عاشقين للحلوى الساخنة المخبوزة) ودلفا للمخبز القريب الذي بدأ حياته كعادة كل مخبز مبكرًا جدًّا قبل الجميع، وما زلت متأثرة جدًّا بمقولة شيف إيطالية: (لطالما أخبرونا في قريتنا أنك ترتكب خطيئة حين لا تستمتع بالخبز الطازج).. فالخبز يُستخدم في العالم ككلمة مضادة للجوع. وهو أبسط مطالب الإنسانية حاليًا، بل إن المرأة ترفع على رأس مطالبها في كل محفل المطالبة بالخبز والأزهار كرمز للمطالبة بالحق في كسب العيش والمعاملة الكريمة معًا.