لعل ظهور مصطلح "الإسلام السياسي"جاء لتوصيف حركات وجماعات تختبئ خلف الإسلام، وهي بعيدة عن منهجه القويم كل البعد.
حيث كان هذا المصطلح قد تغير وتبدل عبر مراحل كثيرة، والذي كان يصف جماعات سياسية في ثوب إسلامي،تحمل شعارات «إسلامية» مشروعها في الأصل خارج أصول الإسلام وقواعده وأخلاقه السمحة كما أسلفنا.
فهدف هذه الجماعات المتأسلمة هو تسييس الإسلام، وعلى رأس هذه الجماعات، تنظيم جماعة «إخوان» البنا وقطب، التي هدفها الوصول إلى الحكم والاستفراد به، وبناء دولة ثيوقراطية بمفهوم الجماعة،وليس بمفهوم الإسلام الصحيح.
و بعد أن انكشف المستور، بدأت جماعات الإسلام السياسي تلك؛في الأفول سياسيًا، ولعل خسارتها في مصر وليبيا وتونس، أكبر دليل على فشل مشروعها العابر للحدود،بل وفشلها في تحقيق أي تقدم اقتصادي أو سياسي، أو تحقيق أي مشاركة يمكن التعويل عليها كمعيار للرضا المجتمعي، فأغلب هذه الجماعات، التي عاشت سنوات ترتزق من شعار المظلومية ومحاربة الفساد والديكتاتورية، كانت أول من مارست الديكتاتورية والفساد والإقصاء عندما وصلت إلى سدة الحكم.
أغلب هذه الحركات المتطرفة لا تؤمن بفكرة الدولة المدنية الديمقراطية وتعدها نقيضة لمبادئ الإسلام.
بل يعتبرها البعض منهم أنها كفر بالله، لأنه إلغاء لشريعة الإسلام واستبدالها بقوانين وضعية من عند البشر حسب فهمهم القاصر.
وبهذا نرى كيف أنها تتباين فيما بينها، فالإخوان المتأسلمون لهم نموذجهم الذي يختلف عن نموذج السلفية والتي بدورها تختلف عن حكم ولاية الفقيه القائم في إيران!
هذا التباين ليس شكليًا ومحدودًا، بل هو جوهريًا واسعًا.
لذلك لا يوجد نموذج واحد لنظام الحكم وفق أهوائهم بل نماذج متعددة كل منهم يدعي صحته ويخطىء غيره.
في الأربعين عامًا الماضية تمكنت حركات الإسلام السياسي من التحول من حركات عقائدية إلى التغلغل وسط الجماهير عبر سيطرتها على المساجد والمنابر والأنظمة التعليمية، وعبرها تمكنت من السيطرة على وعي الجماهير، وحشر الحركات العلمانية والحداثية والليبرالية في زاوية الإلحاد ونشر الفساد والرذيلة في المجتمع، وبسبب الضغط الاجتماعي (الجبار) والإرهاب الفكري الذي وصل إلى حد الاغتيالات وقعت الحركات الحداثية في الفخ، فانشغلت بتبرئة نفسها من تهمة الإلحاد، وتفسير مقاصدها.
و بعد تكشف الدور الخطير الذي لعبته أحزاب وجماعات الإسلام السياسي، في أحداث عام 2011م في العالم العربي، لا يزال بعض المغرر بهم يتعاطفون مع أبواق هذه الجماعات الزائفة في ظل غيبة دعوية وإعلامية لست أعلم عن عمد أم عن غير عمدعاجزة عن كشف اللثام حول خطر هذا المد المتطرف المتلفع بستار التدين زورا وبهتانا.
الذين تاجروا بالدين أو شجعوا على هذه التجارة في العالمين العربى والإسلامى طوال السنوات الماضية، عليهم أن يعلموا أن تجارتهم كانت لا شك خاسرة
وإزاء ذلك كان تحرك الدولة بمحاسبة هؤلاء المارقين كي يكف غيرهم عن السير في طريق الظلام هذا.
إن تعرية هذه الأفكار الهدامة بات ضروريا ووجب بالفعل استنفار ولاية مفكري الوطن ومثقفيه الذين هم كتائب قواه الناعمة بمواجهة تنويرية تزيح الستار عن الوجه الخبيث لهذه الأفكار المتطرفة.