كعام الرمادة كان هذا العام، وباء ومرض ثم فقر بعد فقر.
النوائب والكوارث افتتحت أشهره الأولى، لم تترك أرضًا إلا وحلت بها، لكن الكورونا كانت الأخطر والأبشع، فتكت بملايين البشر لم ترحم شابًا أو كهلًا أو طفلًا.
وباء عم الأرض فليت ثمة مكان يهرب إليه الناس، الطاعون كان أكثر رفقًا ببنى البشر، فإذا حل خص بلدة أو قرية ليجد الناس مهربًا وملاذًا آمنًا.
بلاء عظيم ضرب الأرض جميعها، ومع ذلك ما زالت غالبية الناس في مجتمعنا تمارس الحياة وكأنه لا وباء نزل ولا كورونا حلت.
الكمامة هى طوق النجاة الممكن والوحيد حتى الآن، إلا أن غالبيتنا يرفض هذا الطوق دون مبرر أو منطق، وعندما تسأل أحدهم يجيبك بعبارة واحدة (خليةا على الله)؛ رغم أن النبى محمد قدوتهم الحسنة أخبرهم قبل مئات السنين بأنه لا نجاة من الطاعون إلا الفرار منه كما تفر الغزالة من الأسد، وليس من أرض نهرع إليها سوى الكمامة.
لكن الأغرب من ذلك ألا تجد تلك الملايين المستهترة بأمر الكمامة من يردعها ويطبق القوانين والقرارات المعلنة بشأن الغرامات المفروضة على من يمتنعون عن ارتداء الكمامة في الأماكن والمواصلات العامة.
المراهنة على حملات التوعية فقط في زمن الوباء درب من دروب الرومانسية الحالمة، يد القانون الحازمة يجب أن تكون هى العليا.
أقول حازمة لأن الأمر ليس بهين، وإليك عزيزى القارئ هذا المثل الذى ربما تعرفه جيدًا؛ هناك قرار بحظر الشيشة في جميع مقاهى الجمهورية، ولكن هذا القرار لا ينفذ بحسم سوى في المناطق المجاورة للميادين الرئيسة بأحياء القاهرة، أما في الأطراف والمناطق الشعبية لا تزال الشيشة تقدم في أغلب مقاهيها التى يعمل بعضها ليل نهار.
بل إن أحياء راقية ومتوسطة بمحافظتى الجيزة والقاهرة تقدم فيها الشيشة بمقاهى "الكوفى شوب" على مدى اليوم، وهو ما يعد انعكاسًا جليًا لحجم الفساد المنتشر والمتغلغل داخل المحليات.
من المشاهد المفزعة والمرعبة أيضًا والتى تتكرر يوميًا في عربات السرفيس للنقل الجماعى "الميكروباص" احتفاظ السائق بعدد من الكمامات المستعملة ليقوم بتوزيعها على الركاب غير الملتزمين عند اقترابه من كمين شرطة تفاديًا للغرامة، ورغم فداحة هذا المشهد إلا أنه تكرر فقط مع بداية الحديث عن الغرامات ويبدو أن أحدًا بعد ذلك لم يهتم بمراقبة الأمر.
العلاج يا سادة سهل وبسيط لتفادى نقل العدوى عبر كمامات مستعملة يستخدمها مئات الأشخاص على مدى اليوم، وهو أن توقع الغرامة على الراكب غير الملتزم إضافة إلى السائق، على أن يجد القانون أو القرار الحكومى من يهتم بمتابعة تنفيذه على نحو صارم وحازم.
أيضًأ من المشاهد التى باتت معتادة أمام مقار البنوك والمؤسسات التى تشترط على المواطنين المتعاملين معها ارتداء الكمامة تبعثر عشرات الكمامات على الأرض ما يؤشر إلى أن أصحابها قد ارتدوها على مضض حتى يتمكنوا من دخول البنك أو المؤسسة وفور خروجه قام بإلقائها كما هى.
مثل هذا السلوك المريض غير المسئول يعد في زمن الكورونا جريمة نشر الموت مع سبق الإصرار والترصد، وكما أن هناك عقوبة توقع على من يلقى مخلفات المبانى بقارعة الطريق لا بد من عقوبة رادعة لكل من يضبط ولو عبر الكاميرات يلقى كمامته على الأرض وليس في صناديق القمامة.
نحن على أبواب ذروة موجة ثانية وثالثة لفيروس يتطور كل يوم ليكون أشد فتكًا، ولم يعد هناك وقت للدخول في مناقشات عقيمة حول دور حملات التوعية، أو التساؤل بحيرة عن سبب هذه الفوضى التى يعيشها الناس دون مبالاة بهذا البلاء العظيم.
إذا كنا لا نريد إغلاقًا لأبواب الاقتصاد علينا أن نهرول إلى تفعيل يد القانون الباطشة ضد كل من يستهتر بالإجراءات الاحترازية، ليس هذا وقت الاستماع لمقولات مثل (أنا غلبان يا بيه)، فليس من علة لغنى أو فقير، سعر الكمامة لا يتجاوز ثلاثة جنيهات وغالبية الصيدليات تبيعها بجنيهين ونصف.
يا سادة راجعوا المحليات التى تسمح بالشيشة في أغلب إن لم يكن كل الأحياء الشعبية وبعض الأحياء الراقية في القاهرة والجيزة، والمؤكد أن الأمر أكثر سوءًا في باقى المحافظات؛ يا سادة لن يلتزم الناس بقانون أو قرار إلا إذا شاهدوا بأم أعينهم من يهتم بتطبيقه وتنفيذه.
يا سادة هذا زمن البلاء وليس ثمة وقت لتراخٍ أو إهمال أو استهتار إذا أردتم أن تستمر عجلة الاقتصاد دائرة وإلا فنحن مقبلون على أوقات كارثية ليس لدينا ما يكفى من اقتصاد وصحة وأمن لمواجهتها.