هو شهر السينما بالقاهرة، فبعد ختام مهرجان القاهرة السينمائى في دورته (42)، الدورة المغالبة لواقع وأثر جائحة كورونا،جرى افتتاح الدورة الثانية لمهرجان "سينما للجميع" (20 ديسمبر)، في عروضه العربية والدولية، ومع فارق التجهيزات والتقاليد المتبعة بين المهرجانين، إلا أن حظوظ هواة الفرجة على السينما ذات الأفلام القصيرة أوفر، إذ خصها مهرجان "سينما للجميع"و أتاحها في مركز الإبداع الفنى (دار الأوبرا)، رفقة جلسات نقاش، تتلو حزمة العروض، وبين أصحاب العروض وجيل شاب يستهل مشواره في هذا المجال،لم يكونوا شغوفين وحسب، لكنهم محملين بهموم وأسئلة هذا الفن الذى تنافسه وسائط عصر العولمة ومغرياته.
ولعل أكثر ماكان لافتا بهذا المهرجان،الحضور اللافت لطلاب أكاديمية الفنون قسم السينما،وقد كانت في استقبالنا رفقة متطوعين مثلها، زينب أحمد شرف،قدمت اعتذارا عن تأخير موعد عروض الساعة "الرابعة" ليوم الاثنين 21 ديسمبر،لنصف ساعة، بسبب ترتيبات لوجستية،ثم سلمتنا تفاصيل أيام العروض،وهى تواصل شرحها أقبل باتجاهنا جماعات من طلاب أكاديمية السينما، كان الجدول عندهم مخزنا بأجهزة الموبايل مسبقا،وأشاروا لنا بصفحة على فيس بوك تُذكرنا بالعروض،وحين خضت نقاشا معهم،أبان عن أنحياز بعضهم للأفلام المصرية القصيرة، حتى ورفيقتي التي تتابع عروض مهرجان المسرح القومى المقام بعض عروضها بمسرح الهناجر، تدعوهم لأهمية توسيع نطاق فرجتهم لتطال أفلاما عربية/أفريقية، لتكشف سينما الآخر والذى لدينا معه مشتركات.
تابع المتطوعون أنتظام ولوجنا للقاعة، بإلزام الجميع بترك مقعد خال لضمان التباعد، حتى أنى سمعت سيدة خلفى تصرخ متقصدة شابيين، بالتوقف عن مكابرتهما وإذ من غير المعقول أن يكون المنظمون أكثر حرصا عليهما من نفسيهما!،ظل أحدهما يعاند في مسألة تطبيقه ذلك التقنين،بكونه بالطابور الأخير للكراسى،ولن يزعج وزميله أحدا. لكنهما امتثلا للإلزام فور شارة بدء العروض،ليكون المفتتح بالفيلم اللبنانى"دوام ليلى" للمخرج مارك سلامة،بطل الفيلم حارس المصنع مصاب باضطراب الذاكرة،دقائق الفيلم ترصده ليلة خبر خطف أبنة صاحب المصنع،هذا الحارس مصابه يمنعه من تذكر قواعد يمارسها "يوميا" في عمله، دون تدوينها على ورق ولصقها،ومن ذلك إطعام السمكات مشهد النهاية،بعد أن يرمي الفيلم بلقطة تحري الحارس بأن الابنة ليست مخطوفة بل هربت عند من تحب!،وفى الفيلم السعودى" الأبدى" نتابع حدثا ونتيجة،بمباشرة بدت فجة،إذ الشاب "مُعين" يقوم على رعاية والده فاقد الذاكرة،الذى يناديه دون أن يدرك أنه أمامه!،فيصيح فيه ابنه رافضا جهله به،ويدعو الله أن يأخذ روحه،ويتحقق ذلك فورا،حين يغادر والده ويغرق في مسبح البيت.لكن الفيلمين التونسيين: الخيط الرفيع،واندفاع،شاب الأول فيهما غموض،اعتمد فيه المخرج الأظلام ثم حركة الزووم(تكبير واقتراب)، متمركزا على بطلة الفيلم التى نفهم أنها تعمل مع كادر فنى،ثم في معاودتها لبيتها ليلا تواجه متطرفا يصيح فيها كخائنة للثورة التونسية،ويقرر معاقبتها،فيما طرح فيلم "اندفاع"، أسلوبا توليديا "فيلم داخل فيلم"،يبدأ بأختبار شباب حول دور بفيلم وإخراجه، ثم نرى أحدهم وقد صار مخرجا ويدمجنا معه في تجربته،علقت طالبة سينما بجانبى أن لغة الفيلم تجمع اللهجة،والفصحى،والفرنسية،والنتيجة عندها أنها لم تفهم لغة العمل!،ومن سوريا كان فيلم "جدايل"، والذى تنجح فيه بطلته الأرملة في إنقاذ ابنتها القاصر،حين تجعلها متنكرة كصبى،وتقرر الهرب من قريتها التى يحتلها داعش،ويتولى طفل الفيلم الكردستانى/ العراق،Barking of life، المدافعة عن كلاب الحي من بندقية قناصها،أما الفيلم المغربى " الحبر المطلق"للمخرج يزيد القادرى،الذى يتوهنا كمشاهدين بين تطابق اسم المتوفى إبراهيم بن إدريس،مع أسم صاحب محل نقاش شواهد القبور،فالعامل لديه نقش ذات الشاهد لهما بفارق تاريخ الوفاة،وكأنه حمل نبؤة موته.
وجاء دور الافلام المصرية القصيرة التي عرضت على التوالى "العشاء الأخير" عن قصة "الرحلة" ليوسف إدريس،و"ألف ليلة" لسجين يخاطب ذاته إلى تستعيد ذنوبه، و"حنة ورد"،وهو الفيلم الذي تناول "التمييز العنصري"الذى يطال ذوى البشرة السمراء، فبطلتهُ تظهر في أول الشريط خارجة من مستشفى أورام الأطفال لموعد جرعة أبنتها،ثم متوجهة لعملها في نقش حناء للنساء،وكان موعدها مع عروس بحى شعبي،ورغم مايظهر من تقدير العروس الشابة للسيدة السمراء،لكن بقية العائلة يكيلون لها كمًا من التنمر، واتهامات بالسحر الشعوذة،تودى إلى تهلكتها تحت أيديهم.
لم تكن الافلام لهواة سينما مبتدئين،بل فيهم من قدم عروضه بمهرجانات عربية ودولية،الأفلام السينمائية القصيرة لها مهرجاناتها، لكننا نفتقر آليات تدعم منتجيها، وكانت دعوات آملة من شباب تداولوا العروض بالنقاش، بكونهم يعانون تهميشا، فقلما يتم تمويل، وعرض، وتوزيع أفلامهم.