السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رجاء منصور..صانعة الأمل والأمومة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظل العقم كابوسا مقيتا يهدد ملايين البشر دون أمل فى التخلص منه، حتى نجح العلم بفضل الله تعالى فى نزع اليأس من النفوس، وحقق نتائج مبهرة فى علاج كثيرين ممن يتوقون للإنجاب..كانت بداية النجاح عام 1978 فى بريطانيا حينما ولدت "لويز براون" أول طفلة من خلال الإخصاب خارج الجسم (أطفال الأنابيب)..لم تمر سنوات قليلة حتى تم نقل هذه التكنولوجيا الحديثة إلى مصر، وتحديدا عام 1986 من خلال رائدة هذا العلم في مصر د.رجاء منصور..كانت البداية في يوليو 1978 حينما قرأت لأول مرة في إحدى المجلات العلمية عن هذا الإنجاز، وكانت على وشك الانتهاء من فترة الثلاث سنوات طبيبة مقيمة فى قسم النساء والتوليد فى قصر العينى..فأيقنت أن هذا هو التخصص الوحيد الذي ترغب فى تكريس حياتها من أجله، ولكن بدا ذلك الهدف صعب المنال..حتى سافرت بعدها بعام إلى الولايات المتحدة، وتقدمت بأوراقها لرئيس قسم النساء والتوليد بجامعة (أوهايو) وطلبت العمل بأى وظيفة فى قسمه، فقبلها في وظيفة باحث ما بعد الدكتوراه، وانتقلت إلى العمل البحثى فى المعامل، وشاركت مع فريق علمى فى أبحاث إخصاب 2000 من بويضات الفئران، وحصلوا على تصريح بالبدء في علاج السيدات..وأسند إليها العمل والإشراف على برنامج أطفال الأنابيب..وزادت الثقة فيهم بعد نجاح أول حالتين، وتوافد كثيرون منهم العديد من المصريين..فراودتها فكرة العودة إلى مصر..وقبل العودة راسلت بعض زملائها وأساتذتها لإطلاعهم على الفكرة ومدى تقبل المجتمع لهذه التكنولوجيا الحديثة..وتحمس لها الدكتور محمد أبوالغار، والذى عرفها بالدكتور جمال أبو السرور..وأسسا معها أول مركز لأطفال الأنابيب فى مصر والشرق الأوسط..والذى حرصت أن يكون مطابقا للمركز الذى عملت به فى ولاية أوهايو..وافتتح المركز 21 مارس 1985..احتفاء بالأمومة التى جعل الله العلم تيسيرا لها..وقد نتج عن البحث العلمى الجاد بالمركز نشر أكثر من 150 بحثا فى المجلات العلمية الكبرى..فساهم فى وضع مصر فى مكانة مرموقة عالميا فى هذا التخصص..وظل المركز هو الوحيد فى مصر لعدة سنوات، حتى ظهرت مراكز أخرى وأصبح عدد مراكز أطفال الأنابيب في مصر الآن خمسين مركزا أو أكثر..فاستطاعت بدأبها وصبرها التغلب على التحديات التى واجهتها، والرفض المجتمعى والدينى الذى واجه هذا العلم فى بداياته..وجعلها الله رجاء لآلاف السائلين والساعين لتحقيق حلم الأمومة والأبوة..وإلى جانب نبوغها العلمى تمتعت بموهبة فنية رفيعة، فهى فنانة تشكيلية بارعة شاركت فى الكثير من المعارض الجماعية والفردية..إلى جانب مساهمتها في العديد من الأنشطة الخيرية..وكان حصولها على جائزة الدولة التقديرية العام الماضى، وتكريمها من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عيد العلم تتويجا لمسيرتها العلمية والحياتية..أما الجانب الشخصى الذى نجهله، فلا أجد وصفا أجمل مما قاله عنها العالم القدير والأديب المبدع د.أسامة شوقى أستاذ النساء والتوليد بالقصر العينى، ومما كتبه: "عادت إلى مصر تحمل في قلبها الحلم الجديد..وللأسف كان القدر قاسيا معها، لم تنجح فى الاستقرار فى حياتها الزوجيه فعادت وحيدة..بصحبة أطفالها الصغار..خجوله..هادئة..ليس لها سند أو ظهر..عادت بلا أى وعود أو ضمانات بالنجاح.....وبعد أن تحقق الحلم وأصبحت البنت الصغيرة رجاء من أشهر الأسماء على مستوى العالم..ظلت كما هى..المؤدبة الخجولة..حين تتحدث مع عامل البوفيه تقول له (حضرتك)..تحمل إبتسامتها خجل بنت الريف التى تخجل أن تضحك بصوت عال..وحين يمدحها أحد تنظر للأرض ويكتسى وجهها باللون الأحمر..تمر سنوات وسنوات..ولا يرحمها القدر وتفقد أعز أولادها..يموت في ريعان شبابه..تنهال عليها ضربات القدر الموجعه بلا هوادة..لكن ظلت صامدة..صابرة..حين تحدثت معها لأعزيها..وجدتها فى منتهى الصبر والايمان وتقبل صدمة حياتها..تستمر متفانية فى عملها لا تكل ولا تمل..تجدها من السابعه صباحا في المركز وقبل عمال النظافه وآخر واحده تغادر فى المساء..تمر سنوات ولا يمهلها القدر إلا بضربة قاسية..أصيبت بمرض لعين يخشى الناس ذكر إسمه..مرض مفترس لا يرحم..قبلت العلاج الكيماوي والإشعاعى..كانت تتلقى جرعة العلاج وتعود إلى عملها متحملة مسؤلية ثقيلة تلبية وتحقيق أحلام البسطاء..ذبل جسدها تدريجيا وذوت ضعيفه من المرض اللعين والعلاج الكيماوى القاسى..لكن لم تذو إرادتها وتفانيها فى عملها وخدمة الآخرين..ولآخر لحظة كانت تتواصل معنا جميعا وتكتب خواطرها الرقيقه وتعرض إبداعاتها من الرسم وتهنئ هذا وتجامل ذاك وتشارك بكل ما لديها من علم ومعرفة مع الآخرين".
أتمنى أن يتم تكريمها من المجلسين القومى للمرأة والأمومة والطفولة، كما أنضم مع دكتور أسامة فى مطالبته بإطلاق اسمها على كيان فى الدولة المصرية كى تظل مسيرتها ملهمة للأجيال.