الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أبيض وأسود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من منا يستطيع أن يقاوم تصفح صور للفنان عمر الشريف بالأبيض والأسود؟!. وكأن هذا السائل الرمادي للصورة ينساب لأعماقنا حاملًا كل السنوات التي تفصلنا عن لحظة التقاط الصورة.
بعض المعلومات عن علاقتنا بالحياة التي نراها بالأبيض والأسود ستجعلنا نكتشف أن هناك سيطرة للرمادية على حياتنا بشكل ما، فقد أثبتت إحدى الدراسات أن ٤٪ من الناس يرون أحلامهم بالأبيض والأسود، ويتذكرون الأحداث القديمة بألوان خافتة الظلال فعليًا، ويمكن أن نفكر في ذلك على أننا نميل لتهدئة انفعالنا بالأحداث، إذ أن الألوان نفسيًا تحفز لديك العديد من المعاني، والأبيض والأسود يحملان معنى هادئًا يجعل إيقاع تلقيك للحياة بطيئًا على نحو كبير، مما يشعرك بالأمان أيضًا.

والسينما بالأبيض والأسود كانت ذكية جدًّا بحيث وظفت العديد من مظاهر حياة البشر بشكل قوي يجعلنا نذكر مشاهدها، حتى أن مجرد رؤية المطر الغزير تذكرك بمشاهد لأفلام ماجدة وحسين رياض استخدم فيها المطر كبديل لمشهد جريمة مثلًا اعتمادًا على خيال المشاهد وتجنبًا لإيذاء العين، كما تم توظيف الظلال بأحجامها المختلفة كما رأينا في أفلام هيتشكوك القديمة، وهذا ربما يجعلك تشعر بأن هذه الأشياء تنتمي لأفلام الأبيض والأسود واستعارتها الطبيعة منها أحيانًا.

والتصوير بالأبيض والأسود لم يتوقف أبدًّا نظرًا لعلاقته النفسية بالمشاهد، لأن "الأبيض والأسود" يعطيان دلالات معينة في عقل الإنسان ونفسه، لذا نرى أفلامًا ناجحة بالأبيض والأسود كل فترة ومنها فيلم "ناصر ٥٦" للمخرج محمد فاضل عام ١٩٩٦ م - والذي حقق نجاحًا كبيرًا - وفيلم "قائمة شاندلر" للمخرج ستيفن سبيلبرج عام ١٩٩٣ م - والذي رشح لجائزة أوسكار بلونيه الثنائيين فقط كسابقة عالمية في عصر الألوان - هذا بالإضافة لاستخدام الأبيض والأسود الآن في عرض مشاهد العودة للماضي (Flash back) التي تحكي مشهدًا من الذكريات وسط فيلم ملون لاستخدام دلالة الماضي بوضوح، فهي مشاهد تبوح ولا تتحدث وتبقى في ذاكرتك دائمًا.

وتحتفي السينما العالمية بالأبيض والأسود، إذ ما زالت السينما الروسية أفلامًا بهذه التقنية الرمادية، ويظهر الإبداع جليًا في تلك الأفلام باستغلال مساحات الظل والضوء السوداء والبيضاء ببراعة في التصوير وتوظيف ذلك في سير الأحداث، إلا أن السينما الروسية الرمادية لا تحظى باهتمام كثير من وسائل الإعلام في العالم، على الرغم من عرض فيلم رمادي روسي في مهرجان فينيسيا في العام الجاري، هو فيلم "الرفاق الأعزاء" للمخرج أندريه كونتشالوفسكي. شارك هذا الفيلم في المسابقة الرئيسية للمهرجان، واستوحى الفيلم قصته من أحداث تاريخية تعود للعام ١٩٦٢م، وكان استخدام تقنية الأبيض والأسود مثيرًا لإحساس النقاد بأن الكاتب يهرب من الواقع، مع ذلك أظهر الفيلم براعة المخرج الإبداعية التي لم ينطفيء نشاطها على الرغم من أنه من مواليد عام ١٩٣٧م.

إن هذه الصور الرمادية مؤثرة جدًّا في مجالات كثيرة، حتى أن مصمم الأزياء اللبناني نيكولا جبران استوحى العام الماضي من أفلام الأبيض والأسود واحدة من أجمل مجموعاته لأزياء الربيع والصيف بنجاح كبير، وسبقه وتلاه في ذلك العديد من المصممين، فالأبيض والأسود يطغى على كل ما يقربه لرقيه، فهل نطمع في كرم منتجي السينما ونرى أفلامًا رماديةً راقيةً في عصر الألوان الصاخب؟. هو مجرد سؤال ربما يعكس أمنية لدى الكثيرين.