على مدى 60 عاما لازمته في كل كبيرة وصغيرة في حياته، فلم تفارقه هي يومًا حتى فارق الحياة كلها عميد الأدب العربي طه حسين.
وتقدم "هُن" في التقرير التالي أبرز المعلومات عن الزوجة الوحيدة لعميد الأدب العربي.
- هي السيدة الفرنسية سوزان بريسو، التي ولدت عام 1895، لأسرة كاثوليكية.
- عملت "بريسو" بالتدريس لفترة.
- التقت طه حسين الشاب عندما انتقلت للعيش إلى جنوب فرنسا بسبب الحرب العالمية.
- قال طه حسين عنها في كتاباته، إنها في البداية كانت تتعاطف معه كونه شابا كفيفا، وبعد فترة من الحديث أحبت عقليته وقدرته، ولكنها رفضت حبه في البداية كونهما مختلفي الديانة، إلا أنها أعلنت لأسرتها أنها ترغب في الزواج من الشاب المصري الكفيف القادم من ثقافة وبيئة مختلفتين.
- رغم اعتراض الأسرة في البداية، إلا أنه وقع الزواج في 9 أغسطس 1917، بعد مباركة شقيق والدها وهو أحد القساوسة، وذلك بعد جلسة قصيرة مع طه حسين.
- وصفت "بريسو" في كتابها "معك"، والذي يروي حياتها التي امتدت لستة عقود مع طه حسين، وصفت مشاعرها في لحظة وفاة طه حسين قائلة: "بقيت مع جثمانه وحدي نصف ساعة كاملة، قلت لنفسي وأنا وحيدة معه، ابني لم يصل بعد، وابنتي ما زالت في الطريق من أمريكا إلى القاهرة، وهمست: ألم نبدأ الحياة وحيدين، وها نحن الآن ننهيها وحيدين".
- بعد 16 عاما من رحيل عميد الأدب العربي، رحلت حبيبته وصديقته التي كان دومًا يخبرها أنه أعمى بدونها عن عمر ناهز 94 عاما.
هي من أكثر قصص الحب المظلومة عبر التاريخ
ومن أروعها على الإطلاق.. قصة حب الزواج المستحيل..
حب قائم على الاختلاف٬ الاختلاف بكل معانيه: هو مصري وهي فرنسية..
هو مسلم وهي مسيحية٬ هو من عائلة فقيرة وهي من عائلة أرستقراطية..
هو فاقد البصر وهي شقراء بعينين زرقاوين..
ورغم كل هذه الاختلافات استمر زواجهما 56 عامًا حتى وفاته..
وكانت لقصة حبهما ثمرتان.. أنيس وأمينة.. وبعد وفاته لم يتوقف الحب
وكتبت سوزان كتابًا تخلد فيه قصة حبهما: أسمته "Avec Toi" أو "معك”
تقول في فصله الأخير:
"و في النهاية كُنا معًا.. دائمًا.. وحدنا.. قريبين لدرجة فوق الوصف
كانت يدي في يده متشابكتين كما كانتا في بداية رحلتنا
وفي هذا التشابك الأخير٬ تحدثت معه وقبلت جبينه الوسيم
جبين لم ينل منه الزمن والألم شيء من التجاعيد
جبين لم ينل منه هموم الدنيا من العبس
جبين لازال يشع ضوءًا ينير عالمي".
كانت فائقة الجمال.. ورغم أنه لم يرها يومًا أحبها
ورغم فقدانه لبصره.. فإنها لم ترَ ذلك يومًا وأحبته..
حب أعمى لا يرى الظاهر...............
أحب روحها فأحبت روحه..
فكان يرى الدنيا بعينيها وكانت تعيش بنبض قلبه
إنه الحب كما يجب أن يكون
ومن موقع هنداوي للتعليم والثقافة كانت سوزان طه حسين زوجة عميد الأدب العربي، ورفيقة حياته التي صحِبته مدة ما يقرب من 60 عامًا، كانت فيها عينَه التي يبصر بها.
وُلدت سوزان بريسو سنة 1895م، ونشأت نشأةً فرنسيةً كاثوليكية، وقد اشتغلت بالتدريس في بداية حياتها العملية. تسببت أحداث الحرب العالمية الأولى في تهجيرها مع عائلتها إلى مدينة «مونبلييه» في جنوب فرنسا. في تلك المرحلة — بالتحديد سنة 1915م — تعرفت إلى «طه حسين» الشاب المصري طالب الدراسات العليا كفيف البصر، الذي كان في حاجة لمن يقرأ له الكتب والمراجع التي تساعده على إتمام دراسته، وكانت سوزان هي من قام له بدور القارئ منذ ذلك الوقت حتى وفاته عام 1973م.
كان حبًّا من أول همسة، وزواجًا متينًا لم تفتُر فيه المحبة، ولم يتوقف أحد الزوجين فيه عن مساندة ودعم الآخر، وكما تحدَّيا عقبات عديدة ليتزوجَا (من بينها اختلاف القومية والديانة) فقد تغلَّبا معًا على مصاعب الحياة في رحلتهما الطويلة غير التقليدية، وهو «طه حسين» الكاتب والمترجم والأكاديمي والمنشغل بالشأن العام، وهو الظاهرة الأدبية والثقافية المصرية والعربية الفريدة، والشخصية التي لن تتكرر في تاريخ الأدب العربي.
هذه الحياة الحافلة والسيرة الملهِمة كتبتها «سوزان طه حسين» في كتاب أسمته «معك» سطرته عقب وفاة زوجها؛ إحياءً لذكراه التي لم يطوِها الموت ولا النسيان. كتبت كتابها باللغة الفرنسية لكنها أرادت له أن يصل للقارئ العربي، ليعرف وجهًا آخر من وجوه العميد. وقد نهض بمهمة ترجمة الكتاب ترجمةً راقيةً وأمينةً المترجم السوري «بدر الدين عرودكي» وراجع الترجمة الأستاذ «محمود أمين العالم»، لتصدر النسخة العربية عام ١٩٧٩م. وبعد أكثر من ثلاثين عامًا نُشرت النسخة الأصلية الفرنسية عام ٢٠١١م مقدَّمة بقلم أمينة طه حسين، حضر الفن بقوة في علاقة طه حسين وزوجته الفرنسية، بالموسيقى والرسم والغناء نسج الاثنان تفاصيل ملأت حياتهما وعزّزت ودادهما، عن البدايات تحكي: "لم نكن أغنياء، لكن طه وجد وسيلة يتمكن بها من إهدائي بمناسبة عيد ميلادي، فقد اشترى من شارع بونابرت نسخة من لوحة "عذراء لندن La vierge Londre" لبوتيشللي Botticelli. هذه اللوحة بقيت دومًا في غرفتي".
تتابع "كانت أجمل لحظاتنا هي الفترات التي نقضيها ونحن نستمع إلى الحفلات الموسيقية التي كانت تقدم كل أحد في السوربون، لم تكن باهظة، إلا أننا كنا نضطر أحيانًا للاستغناء عنها، وكنا نعزي أنفسنا بقراءة كتاب جميل".
الأصدقاء كانوا أحد أسباب ثراء حياة الزوجين وصخبها، ربطتهما علاقات مع مصريين وعرب، كذلك أوروبيون وأمريكون، مثقفون ومستشرقون ورجال دين، وعندما كان يحتاج طه بعض العزلة والتقرب من الطبيعة، كانت تصحبه سوزان إلى فرنسا وإيطاليا في نزهات استمرت حتى آخر أيامه.
في سنواته الأخيرة، خفت وهج الحياة، قلّ السفر وغاب الأصدقاء، بعد تدهور صحته، نتيجة آلام في العمود الفقري أثرت على النخاع الشوكي، فأجرى عملية جراحية بات يمشي بعدها بصعوبة، تستعيد سوزان تلك السنوات العصيبة، مؤكدة أنها لم تكن بمجملها عقيمة: "كانت مفيدة في كثير من الأحيان، وجميلة أحيانًا، كنا أكثر قربًا واحدنا من الآخر".
تحكي تفاصيل كان يفعلها طه بعفوية في السنوات الأخيرة: "تبدو عادية بين أي زوجين"، غير أنها كانت تقيم لها اعتبارًا كبيرًا: "أملك صندوقًا صغيرًا لوضع أدوات الزينة، ليس عريضًا لكنه عالٍ بما يكفي، لا أستطيع أن أنظر إليه الآن بلا مبالاة، فعندما كنا نذهب في رحلة خاصة، كان يحمله بعناية وبفخر رقيق حنون يؤثر في نفسي تأثيرًا عميقًا".
ثم تعود إلى واقع الفقد الذي تعيشه "نحن في عام 1975، الآن وقد أصبحت اليد التي كانت دليل طه فارغة، وقد بات من المستحيل على أن أستند على ذراعه، وقد انهار الصمت الحاسم.. ياصغيري الذي لن أعثر عليه أبدًا إذا ما دفعت بابًا ما. نعم، سيكون ثمة باب آخر يومًا ما، فهل ستكون وراءه كي تستقبلني؟
يأتيها طيف صوته يخاطبها بكلمات كتبها في إحدى رسائله: "ابقيْ لا تذهبي، سواء خرجت أو لم أخرج، أحملك في، أحبك، ابقي، أحبك، لن أقول وداعًا، فأنا أملكك، وسأملكك دومًا، ابقي يا حبي".
تقول ما بيننا يفوق الحبّ.. ويقول: "بدونك أشعر أنني أعمى حقًا"..