الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الغرق في شبر ماء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحب البحر وأخشاه كثيرا، لذلك فشلت في تعلم السباحة منذ الصغر، أذكر إصرار أمي وحرصها على تدريبات السباحة مثل أخوتي وأنا في الرابعة من عمري لدرجة إلحاقي بمدرب خاص في النادي، وفي كل مرة أترك فيها سور البسين كما تحثني مدربتي، لا أشعر بنفسي إلا وهي تلتقطني من قاع البسين وأنا على وشك الغرق، لذا فقد استسلمت أمي في النهاية وتوقفت عن المحاولة والتدريبات .
كان أبي يصطحبنا كل فترة لنقضي يوما مبهجا في شاطئ بورسعيد ونعود محملين بالسمك والكابوريا وأم الخلول والبكلويز، فنذهب مع أصدقاء أبي وأمي وأولادهم ونرتدي ملابس البحر ونقضي معظم اليوم في البحر نلعب ونقفز ونضحك ملء قلوبنا.
كنت أتممت السادسة من عمري وتعبت يومها من اللعب في البحر فقلت لأمي: تعبت يا ماما عايزة أطلع، قالت لي: استني لما حد يخرج معاكي، نادت على ابنة صديقتها الأكبر مني سنا وقالت لها: امسكي ايد زيزي وخرجيها لحد بره
أمسكت صديقتي يدي- والتي لا أذكر اسمها حتى الآن - ومشينا في المياه باتجاه الشاطئ وفجأة دون مقدمات اختفت الأرض من تحتي وكأنني نزلت الى أعماق البحر وانفلتت يدي من يد رفيقتي وأنا أعافر لأطفو ولا أستطيع، بدأت المياه تتجرأ وتجعلني أشربها غصبا حتى امتلأ جوفي وغبت عن الوعي .
أفقت لا أدري بعد كم من الوقت ويد أبي تضغط على صدري بضربات منتظمة والمياه تندفع من فمي والجميع ملتفون حولي، ضغط أبي على بطني وجعلني أستدير لألفظ بقية مياه البحر من جوفي ثم أصر أن يتقصى عما حدث فمشى بحذر في الاتجاه الذي خرجت منه قريبا جدا من الشاطئ وفجأة سقط وكاد الماء أن يغطي رأسه، فاكتشف أنها حفرة عميقة قرب الشاطئ تخفيها مياه البحر ولا يدري كيف حُفرت ولا من حفرها، ذهب أبي إلى مسئول الشاطئ يلومه بغضب ويصر أن يكتب لافتة تشير الى مكان الحفرة ويثبتها باتجاه البحر قائلا له: بنتي كانت هاتغرق لولا صاحبتها اللي نادت علينا وربنا كتب لها عمر جديد .
أسهمت هذه الحادثة في زيادة خوفي ونفوري من السباحة حتى أنجبت أولادي، فأصررت على تعلمهم السباحة حتى أتقنوها، وعندما اقتربت من الخمسين وفي لحظة إرادة اتخذت قرارا جريئا أن أواجه مخاوفي وأحاول تحقيق أحلاما مستحيلة، وكان أولها أنني ذهبت لتلقي دروس في تعلم السباحة على يد مدربة رائعة، والغريب أنني نجحت بعد ثلاثة أشهر من التدريب، وأطفو الآن فوق الماء وأروح وأجئ بعرض البسين في المكان العميق بكل طلاقة وأتباهى أنني أسبح وأقدامي لا تلمس الأرض، ورغم ذلك ينتابني الخوف من البحر ولا أسبح فيه إلا اذا كانت أقدامي متكئة بكاملها على الأرض، فالأحلام تطيل العمر حتى تتحقق، وكذب من قال بعد فوات الأوان، فلا أوان لتحقيق الحلم .