تستوجب التحديات والتغيرات المتلاحقة والسريعة في عالم المال والأعمال حاليًّا، بأن تكون لديك القدرة دائمًا على مواجهتها
وإحداث تأثير في خضم تلك التحولات بشكل ينعكس عليك إيجابيًّا ويحدث لك قيمه مضافه
تعزز من تنافسيتك محليًّا وعالميًّا، ما أقصده هنا هو حجم التطوير والتغيير
المتلاحق الذي يصنعه كل يوم القطاع المصرفي المصري تحت إدارة البنك المركزي المصري ومن
رغبته المستمرة علي تقديم خدمه ومنتج مصرفي يواكب حجم التغيرات والتطورات في مجتمع
المال والأعمال إقليميا ومحليا، وبقدر من مدى إيجابية هذا الأمر إلا أنه يمثل
تحديًّا كبيرًا للغاية تكتنفه صعوبات عديدة تتعلق دائما بضرورة المحافظة على تحقيق أقصى قدر ممكن من العملاء وإشباع رغباتهم
المصرفية باستمرار، ولعل ذلك ما توجه إليه القطاع المصرفي المصري على مدار الـ6
سنوات الماضية وتحديدا مع تطبيق الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016.
حديثي هنا متعلق تحديدًا بتجربة البنوك الرقمية في مصر والتي بدأ القطاع المصرفي المصري في التوجه نحو تنفيذها في
إطار رؤية ورغبة قوية للدولة المصرية للتحول الرقمي في ضوء رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، وتعرف البنوك الرقمية Digital banks بأنها بنوك تعمل فقط من خلال شبكة الإنترنت وليس لها أي فروع أو بنية
مادية سوى فقط مركز رئيسي للإدارة وعدد محدود من الموظفين لتطبيق معايير الرقابة
والحوكمة، وتقدم نفس الخدمات التي تقدمها البنوك التقليدية، وكان أول ظهور
للبنوك الرقمية عالميًّا في2015 ، وهو بنك مونزو Monzo البريطاني، الذى نشأ كأول مصرف ذكى دون فروع تقليدية، وأصبح لديه أكثر
من 800 ألف عميل في الحساب الحالي، وعلى صعيد المنطقة العربية وعلى مستوى المنطقة
العربية، فقد أطلق بنك المشرق الإماراتي أول بنك رقمي بنهاية 2017، ويقدم جميع الخدمات المصرفية ويحمل اسم المشرق نيو.
ولا شك أنه مع بداية انتشار جائحة كورونا عالميا ومحليا ومع الدعوات
نحو توجه الدول إلي الإغلاق الجزئي تدريجا في شهر مارس الماضي، أستوجب ذلك من كل الأنظمة المصرفية العالمية والمحلية ومنها النظام المصرفي
المصري ضرورة الحافظ على كل المعايير والإجراءات المتعلقة بسلامة المتعاملين مع
الجهاز المصرفي المصري وكذلك المحافظة علي صحة العاملين بالجهاز المصرفي مع المحافظة على الاستمرار في تقديم
خدمة مصرفية متميزة للمواطنين، ومن هنا كانت نقطة الانطلاق الحقيقية نحو التفكير في الانطلاق
نحو إنشاء فروع رقميه البنوك المصرية للحفاظ على شكل ومستوى الخدمة المصرفية المتميزة المقدمة للجمهور، وبدأت بعض
البنوك العاملة تحت مظلة القطاع المصرفي المصري في تقديم الخدمات المصرفية بشكل رقمي تجنبا لأي
تجمعات للعملاء، وتطبيقا لإجراءات واشتراطات السلامة الصحية، مما كان دافعًا
قويًّا نحو الحاجة للعمل المصرفي الإلكتروني وتطويره بالشكل الذي يلبي كل الخدمات المالية المقدمة للعملاء ومن
خلال الانتقال إلى التعامل الرقمي لضمان استمرار البنوك المصرية في تقديم خدماتها المالية
للجمهور، كما أنه في الوقت الحالي والذي تشهد فيه الصناعة المصرفية حول العالم
تطورًا هائلًا وسعيها لتطوير خدماتها المصرفية الرقمية المقدمة عبر الإنترنت مع تزايد
التحديات المالية والاقتصادية التي يشهدها العالم الآن بسبب جائحة فيروس كورونا، وهو ما مثل هدفا قويا لسعي البنوك عامة من
تطوير خدماتها الإلكترونية والرقمية لمواكبة التطورات الهائلة والسريعة في عالم
التكنولوجيا وثورة الاتصالات الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وخاصة القطاع
المصرفي، وتعتمد البنوك الرقمية في القيام بوظيفتها على 3 أركان تقدم من خلالها الخدمة المصرفية وهي الموقع المعلوماتي
وهو يمثل المستوى الأساسي للنشاط الإلكتروني المصرفي، ويسمح هذا الموقع للبنك بتقديم
معلومات حول برامجه ومنتجاته وخدماته المصرفية، والموقع الاتصالي وهو ما يتم من
خلاله تسهيل عملية التبادل الاتصالي بين البنك والعملاء فيما يتعلق بالاستفسارات
عن عمل الحسابات البنكية وتقديم الدعم المصرفي على مدار الساعة لحل أي مشكلة مصرفية قد تقابل العميل أثناء إجراء معاملاتهم البنكية،
وأخيرًا الموقع التبادلي وهو من خلاله يمكن للعميل القيام بمعظم معاملاته إلكترونيًّا
من سداد قيمة الفواتير، وإدارة التدفقات النقدية وإجراء كل الخدمات الاستعلامية
سواء داخل البنك أو خارجه.
ولا شك أن البنوك الرقمية تقدم شكل احترافي للعمل المصرفي بشكل يكسبه قدرًا من التميز ويرجع ذلك إلى أن البنوك الرقمية تتميز بقدرتها على الوصول إلى قاعدة عريضة من العملاء دون التقيد بمكان أو توقيت زمني معين، كما تتيح للعملاء إمكانية طلب الخدمة في أي وقت وعلى مدار أيام الأسبوع، وهو ما يمثل قدرًا من الراحة والرفاهية المصرفية للعملاء، كما تتميز البنوك الرقمية بأن تكاليف تقديم الخدمة المصرفية بها منخفضة مقارنة بالبنوك التقليدية، حيث إن تقليل التكلفة وتحسين جودة الخدمة المصرفية المقدمة للعملاء تمثل نقطة تنافسية تعتبر من عوامل جذب العملاء، حيث إن تكلفة تقديم الخدمات المصرفية من خلال الفروع التقليدية للبنوك تصل إلى 295 وحدة، في حين تصل إلى 4 وحدات لو تم تقديمها من خلال البنوك الرقمية، كما أنه من ضمن مميزات البنوك الرقمية هو ما توفره من معدلات عالية من الدقة في أداء وتقديم المعاملات المصرفية مقارنة بالبنوك التقليدية والتي قد تصل نسبه الخطأ في المعاملات اليدوية من خلال العاملين بها إلى 30% وهو ما لا يوجد بالبنوك الرقمية نظرا لاعتمادها على أحدث برامج ونظم الدفع الإلكتروني والتي تكاد معدلات الخطأ فيها أن تتلاشى، وأخيرًا ما تقدمه البنوك الرقمية من معدلات أمان عالية للعملاء في كل التعاملات البنكية والحفاظ على سريتها بشكل احترافي يمنع من اختراقها، وكذلك توفير قدر عالٍ من المرونة والاستجابة السريعة لكل طلبات العملاء، وكذلك قدرتها على تنويع ما تقدمه من كل المعاملات المصرفية طوال الوقت.