عندما ترتكب ريهام سعيد الأخطاء مرارا وتكرارا طيلة أكثر من عقد ونصف في مسيرتها الإعلامية فإن التفسير الوحيد لاستمرار هذه التجاوزات من طرفها هو القصدية والنية المبيتة أي أن الإعلامية ترتكبها عن عمد بقصد إثارة الجدل وتحقيق مشاهدة واسعة والاستمتاع بكونها الأكثر شهرة في وسائل الإعلام حتى لو بشكل سلبي.
ولم تسلم الجرة في العديد من مرات الإثارة حيث تحولت القضايا إلى محاكمات في ساحة القضاء لكن من دون أن تقودها تلك الدروس إلى إبداء رغبة حقيقية على ما يبدو في التوقف عن تقديم هذا المحتوى "المؤذي" للمشاهد أو أن يلوح في الأفق ما يفيد بأن ريهام تتعلم من دروسها حتى بعد تعرضها للسجن.
ويتصدر الجمهور المشهد حاليا ليقول لها "انتهى الدرس يا غبي" على طريقة محمد صبحي في مسرحيته الشهيرة، بعد تكرار ما تقدمه من رسائل إعلامية خاطئة وغير مهنية للترويج لأعمال وتصرفات مخالفة للقانون والإنسانية والذوق العام.
ولسنا هنا أمام اختلاف في وجهات النظر إزاء ما تقدمه المذيعة من محتوى في برامجها وهو أمر يمكن تقبله واحترامه إذا كان لائقا أو حتى ينطوي على مجرد اشتباه في التعدي على ميثاق الشرف الإعلامي أومدونة السلوك المهني.
لكن طفح الكيل والوقائع عديدة على تعدي المذيعة على رسالة الإعلام أولا والضرر الفادح بالمشاهد وارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون المصري وقد صدرت ضدها عدة أحكام بالسجن والتعويض المالي عن الضرر البالغ المترتب عن أفعالها.
وفي الوقت الذي تحلق فيه ريهام سعيد في عالم الشهرة وتنتشي بسبب التداول الكبير للتجاوزات التي ترتكبها على مواقع التواصل الاجتماعي فإنها تعدت على سمعة "فتاة المول" وأضرت بها ضررا بالغا بعد انتهاك خصوصياتها ونشر صور شخصية تم تسريبها من موبايلها دون إذنها تسيء إليها.
كما قامت بالتحريض على جريمة خطف أطفال والاتجار بهم مقابل مبلغ مالي تم الاتفاق عليه وهو 300 ألف جنيه.
وسبق أن أهانت لاجئين سوريين عندما وزعت مساعدات عليهم في مخيم لهم في لبنان وأظهرت شماتة وتشفي في هذا الشعب "الذي أضاع بلده" على حد قولها. كما أذاعت حلقات عن السحر والشعوذة نشرت خلالها أفكارا متخلفة ترسخ لممارسات هدامة لقيم المجتمع وسلامته في وقت تحاول الدولة جاهدة ترسيخ المنهج العلمي للتفكير. وقامت كذلك باستهداف البدناء والإساءة لهم ووصفهم بالعبء على الأهل، ووصمهم بالشكل والرائحة الكريهة.. وغير ذلك من القضايا التي يزخر بها سجلها الحافل بالسقطات المهنية والتي تلهي الرأي العام عن قضايا حقيقية يعيشها في مرحلة فارقة يمر بها الوطن وفئات الشعب المختلفة وكانت تتطلب إعلاما هادفا يتناولها ويكون لسان الناس ويعبر عن مشاغلهم.
ورغم صدور أحكام ضد ريهام في العديد من تلك القضايا ومعاقبتها بالسجن والغرامة وتوقف برنامجها صبايا الخير عدة مرات إلا أنها مازالت مصرة على نفس النهج وأعادت الكرة في أول ظهور لها بعد التوقف لأكثر من عام، فجاءت حلقة " صيد الثعالب " هذه المرة لتجدد الموعد مع الأخطاء في خضم لهاثها وراء الإثارة مهما كلف الأمر حتى لو كان الثمن إيذاء وتعذيب حيوان لا حول له ولا قوة. وقد كان لافتا دموع الثعلب الأحمر الصغير عندما اقتربت منه الكاميرا وهو مكبل تحت ركبتي ريهام وقبضة أحد الصيادين.
وقد دافعت ريهام عن سقطتها مبررة ذلك بمحاولتها تسليط الضوء على رحلات الصيد الجائر. وإذا كانت الإعلامية مازالت بعد هذه المسيرة الطويلة في الإعلام لا تفرق بين التوعية بالجريمة وارتكاب هي نفسها للجريمة فإن الأدعى أن تحصل أولا على الوعي الضروري بمهمة الإعلامي وكيفية تناوله لأي قضية قبل أن تمسك الميكروفون وتعلم الناس!
وكان من الطبيعي أن يثور الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ويطالب بمحاكمتها بتهمة صيد الحيوانات البرية وتعذيبها ناهيك عن الأذى التي سببته لمشاعر المشاهدين. وتفاعلت وزيرة البيئة مع هذه المطالبات وانتقدت المخالفات الجسيمة التي ارتكبتها ريهام والتي ستحرك بها دعوى ضدها أمام القضاء. ثم جاء إعلان المجلس الأعلى للإعلام عن فتح تحقيق مع ريهام بعد قراره بوقف البرنامج. ولا أظن ريهام إلا مصرة على الاحتفاظ بـ "سعادتها" حتى تظل إسما على مسمى "ريهام سعيد".. السعيدة بملايين المتابعات والمشاهدات حيث مازال "تريند" إيقاف البرنامج عبر "تويتر" و" فيسبوك" يشهد آلاف التغريدات والتعليقات، تداول بعضها قانون البيئة رقم ٩ لسنة ٢٠٠٩، الذي تقول مادته الـ ٢٨، أنه يحظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية أو حيازتها أو نقلها أو الإتجار فيها حية أو ميتة كلها أو أجزائها. كما نصت على معاقبة مرتكبها بالسجن والغرامة.
وفي غياب التنظيم الذاتي القوي والمتماسك للإعلاميين، والتدخل -الذي ينقصه الكثير من الحزم والسرعة- للمجلس الأعلى للإعلام وغياب الردع الكافي مما يسمح بتكرار هذه التجاوزات واللامبالاة بالمخالفات، فإن تدخل الجمهور وخاصة جمهور مواقع التواصل الاجتماعي يبقى هو الآلية الأسرع والأقوى في المحاسبة حتى الآن وذلك بالتعبير عن رفضه لهذه التجاوزات ومعاقبة المخطئ بشكل فوري من خلال المطالبة بالمقاطعة وإيقاف البرنامج والمذيعة بما يمثله ذلك من ضغط على القناة التي تنتج وتبث البرنامج وكذلك الوكالات والمعلنين ثم تلتحق بعد ذلك مختلف الجهات المسئولة عن تنظيم الإعلام وضبط الأداء ومحاسبة المخطئين. والأصل في الأمر أن تكون أدوار هذه الجهات سابقة على دور الجمهور في التقييم والتقويم وضبط الأداء وليست ردود أفعال. وتعد القضايا التي تثيرها ريهام سعيد نموذجا مثاليا يستحق الدراسة لكيفية تصدي الجمهور قبل أي جهة أخرى لتجاوزات الإعلام. ولعل خطورة هذه الآلية التي يتحكم فيها الجمهور هو كونها لا تخضع لميثاق شرف إعلامي أو ضوابط مهنية محددة بل إلى في غالبيتها انطباعات وأخلاقيات عامة يمكن أن تصيب تارة أو تخيب أخرى عند اتخاذ الجمهور للقرار؛ ويكمن الخوف من هذه الآلية العامة في أن يصبح الجمهور نفسه "سلطة" معوقة لحرية الإعلام وتستخدم من طرف جماعات لمعاقبة هذا الإعلامي أو ذاك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن أن تزول المخاوف من هذه الآلية العامة إذا توفر شرط مهم وهو الوعي والفهم والتربية والثقافة الإعلامية لدى الجمهور؛ عندئذ يمكن أن يحكم بشكل مهني على الأداء الإعلامي. وتحرص العديد من دول العالم المتقدمة على تنمية هذا الوعي الإعلامي لدى الجمهور من خلال برامج التربية الإعلامية في المدارس والقنوات. وحتى يتحقق هذا الفهم العميق، يظل التعويل على التنظيم الداخلي للقطاع الإعلامي بتأهيل العاملين به وإكسابهم أدبيات وأخلاقيات المهنة من خلال التدريب الجيد ومحاسبتهم عند الخطأ من طرف نقابتهم قبل أي طرف أو جهة أخرى، وكذلك إنشاء مكتب لشكاوى الجمهور كما الحال في دول عديدة نظمت تدخل الرأي العام وجعلت له آلية واضحة لإيصال صوت الناس حتى يكونوا طرفا مشاركا بشكل إيجابي وفعال في صناعة القرار الإعلامي جنبا إلى جنب مع شركات الميديا والقنوات الإعلامية المختلفة والجهات المنظمة والمجتمع المدني. وحتى يتحقق ذلك، مازال مسلسل سقطات ريهام سعيد مستمرا ومازالت مستعدة لعرض ارتكابها "جرائم" بدعوى تحذير الجمهور من خطورتها في حين أن الجمهور يحتاج شيئا آخر وبأقصى سرعة وهو التوقف عن مشاهدتها للكفَ عن الجرائم التي تُرتكب في حقه!
olfa@aucegypt.edu
#ريهام_سعيد #صبايا_الخير #صيد_الثعالب