اعتدنا فى الطب على استخدام مصطلح المتلازمة (Syndrome) عند وصف عدة أعراض متنوعة ومختلفة لمرض واحد، أو لاضطراب نفسى أو لحالة مرضية، وقد تكون الأسباب موروثة أو مكتسبة ومجازا تطلق المتلازمة على عدة أحوال مرتبطة ببعضها البعض وتؤدى كل واحدة منها إلى الأخرى فى شكل دائري، فمثلا نقول متلازمة الفقر والجهل والمرض، ومتلازمة السمنة والسكر وأمراض القلب. واليوم نتكلم عن متلازمة اجتماعية واقتصادية وسياسية وهى متلازمة التعصب والتطرف والعنف.
ومن المعروف عن الشعب المصرى أنه من أكثر شعوب الأرض تسامحًا ووسطيةً وتقبلًا للآخر، وأقلها تعصبًا وتطرفًا وعدوانية، ولكن بين الحين والآخر تظهر بعض المظاهر التى تشير إلى زيادة نسبة التعصب فى المجتمع المصري.
وعلميا يوجد فى كل المجتمعات البشرية ما يعرف بالتوزيع الطبيعى (Normal Distribution) لبعض الصفات البيولوجية والسلوكية الإنسانية، فى شكل المنحنى الجرسي. وتمثل الطبقة المتوسطة (Mainstream) الواقعة على جانبى نقطة المنتصف نحو ثلثى تعداد السكان. وتمثل المجموعات فوق المتوسط ودون المتوسط نحو ١٥٪ لكل منهما، بينما يقع على أقصى جانبى المنحنى (Extremes) نسبة صغيرة (٢-٣٪) تسمى الأقلية، ولذا فمن الطبيعى أن تجد أقلية فى أى مجتمع متعصبة أو حتى متطرفة فى آرائها السياسية (أقصى اليمين وأقصى اليسار)، أو متعصبة لدين معين أو لفريق رياضى بعينه، ولكن عندما تزداد نسبة التعصب والتطرف عن هذه النسبة القليلة، فيجب علينا أن نسأل أنفسنا عن الأسباب التى أدت إلى ذلك.
وفى محاولة لإيجاد إسباب منطقية وعلمية لظهور نسب أكثر من حالات التعصب والتطرف والعنف، وجدت ما يسمى بتأثير دايننج- كروجر
(Dunning-Kruger Effect)، وهو منحنى للعلاقة بين المعرفة (الخبرة) ومدى تشبث الفرد برأيه (الثقة). ويبين المنحنى أن الأشخاص الأقل معرفة عندهم أعلى نسبة من الثقة، وأن هذه الثقة تقل تدريجيا كلما زادت نسبة المعارف، إلى أن تصل إلى قمتها عند الخبراء. وحتى الخبراء، تكون ثقتهم أقل من معدومى الخبرة. ووجد أن انحياز الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة فى تقدير مهاراتهم سببه عدم معرفتهم أنهم لا يعرفون (لا يعرفون أنهم لا يعرفون). ومن ثم فهم غير مؤهلين للنقاش أو قبول الرأى الآخر، وغالبا ما يكون عندهم جمود فكرى ينتهى بهم إلى التطرف. وأنهم أيضا قد يلجأون إلى العنف لعدم مقدرتهم على إقناع الأغلبية بأفكارهم بطريقة الحوار والإقناع وقبول الرأى الآخر.
وبتطبيق هذا التفسير على الواقع الذى نعيشه اليوم، نجد أن ضعف مخرجات التعليم (بصفة عامة) خلال العقود الماضية قد أدى إلى زيادة نسبة المتعصبين فى الدين والسياسة والرياضة وغيرها. وبسبب نقص المعارف المكتسبة من التعليم، وانعدام مهارات التواصل والحوار وتقبل الرأى والرأى الآخر، ازدادت نسبة التعصب والتطرف والجمود الفكري. وعلى العكس من ذلك تجد أن نسبة المتعصبين والمتطرفين أقل ما يكون بين رجال الدين وكبار المتعلمين والمثقفين والخبراء.
ولكى أكون موضوعيًا، فيجب أن أعترف أن هناك عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية متداخلة مع بعضها البعض، قد أدت إلى ظهور نسبة أعلى من التعصب فى المجتمع، وأن على علماء الاجتماع وعلم النفس دراسة الظاهرة وتحليلها. ربما يكون للتعليم دور فاعل فى ذلك، ولكن بدون شك هناك عوامل أخرى كثيرة أدت إلى ظهور متلازمة التعصب والتطرف والعنف. وربما يدفعنا ذلك إلى ضرورة الاستثمار فى التعليم وتحسين جودته، ليس فقط كمفتاح للنمو والتطوير، ومسايرة تحديات المستقبل، ولكن أيضا لبناء جيل جديد قابل للنقاش والتسامح وقبول الآخر.