فى حين كان نص المادة (97) من دستور 2012 يقضي بأن: «ينتخب كل مجلس رئيسًا ووكيلين من بين أعضائه المنتخبين فى أول اجتماع لدور الانعقاد السنوى العادى الأول» ـ نجد أن المادة (117) من الدستور الحالى قضت بأن: «ينتخب مجلس النواب رئيسًا ووكيلين من بين أعضائه فى أول اجتماع لدور الانعقاد السنوى العادي».
وجوهر الاختلاف بين المادتين هو أن المادة (97) لم تكن تجيز انتخاب رئيس مجلس النواب أو وكلائه إلا من بين الأعضاء المنتخبين. أما المادة (117) فإنها سمحت بجواز انتخاب رئيس المجلس أو وكلائه من الأعضاء المعينين.
وهذا الشطر من نص المادة (117) لا يختلف مضمونه عما ورد فى دستور 1971، والذى نص فى المادة (103) منه على أن: «ينتخب مجلس الشعب رئيسًا له ووكيلين فى أول اجتماع لدور الانعقاد السنوى العادي».
والصياغة على هذا النحو تترك الباب مواربًا ليعتلى رئاسة البرلمان أحد الأعضاء المعينين، فالمشرع التأسيسى _ كما يقول الأستاذ الدكتور فتحى فكرى أحد أكبر الفقهاء الدستوريين _ تغافل عن حصر دائرة اختيار رئيس المجلس النيابى فى الأعضاء المنتخبين دون غيرهم، وقد سبق، فى إطار دستور 1971 والمتضمن ذات الصياغة، أن تقلَّد أحد الأعضاء المعينين رئاسة مجلس الشعب، وتكرر ذات النهج لاحقًا فى شغل منصب وكيل المجلس، والنص الحالى يتيح الفرصة لإضافة سابقة جديدة للحالتين المشار إليهما، وهو نهج نعتقد الحاجة إلى التحرز منه؛ فلا يعقل أن يتولى رئاسة البرلمان عضو معين لم يحظَ بثقة الإرادة الشعبية، وتخلُّف تلك الثقة يجعل العضو المعين فى مركز قانونى يختلف فى بعض جوانبه عن العضو المنتخب، مما يبرر حجب رئاسة المجلس التشريعى عنه.
ولا يصح الاعتراض على ذلك ـ كما جاء على لسان البعض ـ بأنه يجب عدم التمييز بين العضو المعيَّن والمنتخب، فهم بعد القسم يصبحون متساوين فى الحقوق والواجبات، كما أنهم لم يأتوا بالبراشوت، بل من خلال نصوص الدستور ومن خلال رئيس منتخب.
فهذه الآراء رغم وجاهتها إلا أنها محل نظر لما يأتي:
(1) لا تزال التفرقة قائمة بين المركز القانونى للعضو المعين والعضو المنتخب؛ إذ إن الآلية التى نشأ المركز القانونى على أساسها مختلفة، فآلية الانتخاب غير آلية التعيين، ولا يمكن التسوية بينهما.
(2) وإن كان صحيحًا أن العضو المعين عُيِّن عن طريق رئيس منتخب، فإن هذا يصح الاحتجاج به فى المناصب التنفيذية، وليس فى هذه الوظيفية النيابية الحساسة، ولا يقلل من هذا أنه يعتلى رئاسة المجلس عن طريق الانتخاب من قِبل أعضاء المجلس المنتخبين من قِبل الشعب؛ فهذا لا يمنع أن يظل رئيس المجلس ممتنًّا بالولاء لمن عينه فى الأصل، كما أن أعضاء المجلس الذين انتخبوه ليسوا كلهم منتخبين.
(3) هل الأولى فى هذا الأمر أن نحترز ونغلق الباب أمام أى محاذير، أم نترك الباب مواربًا لمثل هذه العوارض؟
(4) كما أن القول بإمكانية أن يكون رئيس المجلس من الأعضاء المعينين يتعارض مع جوهر الديمقراطية النيابية، والأصل فيها أن المجلس الذى ينوب عن الشعب يجب أن يكون جميعه منتخبًا، فإذا اقتضت الضرورة تعيين بعض الأعضاء، فإن هذا استثناء لا ينبغى أن يطال رئيس المجلس.
(5) البرلمان يمثل سلطة التشريع، وهى سلطة منفصلة عن السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ويمارس دورًا كبيرًا فى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ومما يعيق هذه الرقابة أن يكون رئيس المجلس من الأعضاء المعينين.
(6) كما أن اعتلاء كرسى رئاسة البرلمان من قِبل أحد الأعضاء المعينين، أليس من شأنه إهدار مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها المنصوص عليه فى صلب الدستور؟!
إنها مجرد تساؤلات.