لم يكن ينظر عبد الناصر إلى مصر وحكم مصر كحلم كما كان يحلم به كل مصرى وهو الأمل ومنتهى الأماني لكل من يعيش على أرضها وشرب من نيلها لقد كان عبد الناصر يحمل في قلبه هموم المقهورين والبسطاء والفقراء من الأغلبية العظمى فى هذا الوطن ممن عانوا قهر الملكية وظلم الإقطاع وسيطرة رأس المال على السلطة فى مجتمع يغلب عليه التمييز والطبقية التى نهى عنها ديننا الحنيف وقضى عليها من قديم الزمان بتحرير العبيد وتحريم الاتجار بالبشر لقد كان إنحياز ناصر للبسطاء من أرقى توجهات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان لم يكن يتحرك فى هذا الاتجاه بدافع من الحقد أو الغل أو الحسد ولكن كان تحركه بدافع من الإنسانية الراقية التى تحترم آدمية الإنسان وكرامته، وحقه فى الحياة الكريمة ولقد مكنه المولى عز وجل من حكم مصر لينشر فيها المساواة والعدل والكرامة لكل المصريين وإحياء القومية العربية، ودعم الثورات لتحرير الأوطان العربية من براثن الاحتلال فى كافة أنحاء الوطن العربى ودفع حركات مناهضة القطبية بدعم وإنشاء حركة عدم الانحياز لتحرير العالم من سيطرة القوى العظمى عليه، وفرض قانون حق القوة وليس قوة الحق على المنظمات والمؤسسات الدولية، لكن الغريب والمدهش أن زعيما حضر جنازته 5 ملايين مصرى وعربى، وعم الحزن على وفاته وجه البسيطة، وبكاه الأعداء قبل الأصدقاء، من المدهش أن يخرج من بين المصريين بعض السوفسطائيين ليبدلوا الحق بالباطل لتشويه رجل وصل إلى الزعامة العالمية، وانحنى له عظماء العالم، ولكن كباقى البشر وكباقى الحقب التاريخية لم تخلُ فترة حكم عبد الناصر من السقطات، وكانت معظمها ممن خرجوا عن الصف القومى إلى المصلحة الشخصية من أعوان عبد الناصر، وهى طبيعة خلق الأرض، فلم تخلُ حقبة فى التاريخ من الشر حتى فى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسر إلى حذيفة ابن اليمان بأسماء المنافقين دون باقى الصحابة حتى كانوا إذا شكوا فى رجل ينتظرون حذيفة إذا صلى عليه صلوا عليه. ولكن التشويه الذى يمارسه البعض فى حق عبد الناصر فج وجحود وإنكار للشمس، فالبعض يصف إنهاء احتكار القلة القليلة والتى لا تتعدى العشرات لملكية 90% من الأراضى الزراعية فى الدولة وتوزيعها على الملايين من الشعب دأبو على وصفها بتفتتيت الملكية والتى على حد زعمهم اضرت بالزراعة فى مصر والرد على هذا معروف وبسيط لقد كانت هذه الأراضى دوائر تصل إلى آلاف الأفدنة لا يعلم أصحابها حدودها حتى إنهم لا يستطيعون المرور على أراضيهم ولا يرونها، وكانت فريسة للإهمال والنهب وضعف الإنتاجية، وهو كلام من جهلاء لا يعلمون شيئًا عن الفلاح فإن سألته فى أي أرض ستجتهد أرضك أم أرض الغير؟ الرد معروف فى أرضى .. ثم جاءوا على السد العالى الذى اختارته الأمم المتحدة أنه مشروع القرن لما له من فضل فى توفير مياه الرى طوال العام وإضافة أكثر من 2 مليون فدان للأراضى الزراعية الجديدة ثم توفير الكهرباء لإنشاء أكبر نهضة صناعية لم تشهدها مصر فى تاريخها بإنشاء 1200 مصنع من أكبر المصانع فى الشرق الأوسط.
وصفوه بأنه حجز الطمى الذى كان سبب الخصوبة فى الأراضى الزراعية وهو كمن يبحث عن نقطة فى بحر ليعكره كما وصفوا النهضة الصناعية فى عهد عبد الناصر بتكريس للاقتصاد الشيوعى ومنهب للقائمين عليها ومرتع للأهمال والخسارة ولكن الرجل رحمة الله عليه لم يكن يعلم عند إنشائه هذه المصانع أن هناك من سيصنع بها الثقوب لتغرق لقد بناها ليتخلص من تبعية الغرب وتأمره، وأن ينتظر من أحد أن يمنحه أو يمنعه إنقاذًا لكرامة المصريين، وتحدثوا عن الديمقراطية وقالوا: لم يترك السلطة ويعود للسكنات لكنه كان لم يحقق شيئا، فكان ما زال الإقطاع يتحكم فى السياسة وكان معظمهم من أقارب الملك فاروق ولا أستبعد أنهم سرعان ما يعملوا على إعادته للحكم ... وللحديث بقية.