قبل أربعين عامًا، كانت «البوابة» حلمًا يراودني، وأنا أواجه قوى الظلام مع عدد من أصدقاء العمر، فى مسقط رأسي فى صعيد مصر، حيث نما وترعرع فى وادينا الطيب هذا النوع من الإرهاب.. إرهاب باسم الدين، مارسوه فى المنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، حتى وصل إلى القاهرة، ونفذ حفنة من معتنقيه حوادث عنف يندى لها الجبين، وصلت إلى حد اغتيال رئيس الجمهورية آنذاك؛ الشهيد محمد أنور السادات.
كنا صغارًا وقتها حينما واجهناهم بصدور عارية منطلقين من نوادي الأدب وقصور الثقافة، وواجهونا بسيوفهم ومسدساتهم منطلقين من الزوايا التى أقاموها على ضفاف الترع والمصارف.. حتى نجحوا فى طردنا خارج المدن التى وُلدنا على أرضها وعشنا أحلامنا الأولى فى شوارعها وقراها وعلى ضفاف نيلها العظيم.
لم أفقد بوصلتي، طوال تلك السنوات الطويلة ولم أزل، لم ينحرف قلمي يمنة أو يسرة.. كنت أبحث بعين قلبى وعقلى عن وطن مخبوء تحت رماد الكراهية التى حاولوا زرعها فى ربوع تلك الأرض الطيبة.
أربعون عامًا من المعارك المتواصلة، لم يهدأ لي بال حتى عندما وصلت قوى الظلام إلى قمة السلطة فى مصر، كان قراري واضحًا منذ اليوم الأول، استمرار المواجهة هو الحل، فى الوقت الذي قرر كثيرون الانسحاب، وقرر البعض التعاون وفتح صفحة جديدة.. واجهت بالقلم وبالصوت والصورة على صفحات الصحف وشاشات الفضائيات، فى الشوارع والميادين، لم يهدأ لي بال حتى رحلوا غير مأسوف عليهم.
أتذكر الآن الحكاية.. الحلم منذ بداياته فى شارع محمود بسيوني في وسط البلد في عام ١٩٩٦، عندما أنشأت المركز العربي للبحوث والدراسات، ومرورًا بشارع شمبليون وهدى شعراوي و«٣» شارع مصدق، وأخيرًا: عندما استقر بنا المقام فى «٥٧» من نفس الشارع، عندما شرف المركز برئاسة المفكر العملاق السيد ياسين له فى ذلك التوقيت.
رحلة طويلة تعدت ربع قرن أو يزيد أبحث عن حلمي، فكرتى لبناء مؤسسة مدنية بحثية وصحفية تتسلح بالفكر والوعى وتتصدى بالكلمة الحرة لقوى الظلام وسارقي الأوطان ودعاة الفوضى.
لم تهن عزيمتي يومًا، حتى وأنا أتلقى الطعنات من كل صوب وحدب، حتى أقرب الناس إلى أفكاري لم يتركوني أشد رحالي نحو حلمي فى سلام، كانوا يشدونني للخلف تارة، ويناوشونني لأدخل معهم معاركهم الوهمية تارة أخرى، لكنني لم أستجب أبدًا ولم أعبأ، كان هدفي واضحًا منذ البداية، أن أنتصر لوطني وفكرتي وحلمي وأهلي.
والآن وأنا أدخل عامى الثامن والخمسين و«البوابة» تدخل عامها السابع، والمركز العربي للبحوث يدخل عامه الخامس والعشرين هل لي أن أفخر قليلًا بما حققته ومعي زملائي وأصدقائي وإخوتي وأبنائي، فى تلك السنوات القليلة بحساب الزمن منذ عام 1996؟!
والآن ونحن نبرح عامنا السادس متجهين بثقة فى الله لعامنا السابع مسلحين بخطة تطوير عميقة ومتفائلة تنظر إلى مستجدات الواقع الصحفي، حيث كشفت أزمة الكورونا أهمية الصحافة الإلكترونية، وأن جهدًا كبيرًا يجب أن يبذل فى تطويرها لتناظر مثيلتها فى الغرب.. يجب البحث عن لغة مشتركة للحوار وشرح قضايانا العادلة.. يجب مخاطبة الآخرين بلغة يفهمونها؛ لذلك هل نكون مبالغين إذا قلنا: إننا ممتلئون بالثقة فى الريادة، بعد أن توجهنا لمخاطبة الغرب بإنشاء أول كيان للمؤسسة فى أوروبا ينطلق من باريس فى عام 2017 تحت اسم «مركز دراسات الشرق الأوسط»، وبدأنا فى ترجمة أبحاث المركز العربى للبحوث والدراسات، الناشر الرئيسى لـ«البوابة»، موقعًا وصحيفة، إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية؟!
«البوابة» الحلم فى طريقها الصحيح إذن، ذلك هو اعتقادي. لقد بِتنا نعرف طريقنا جيدًا ولا نخشى فى حب بلادنا سوى الله، نعمل لصالح وطننا، وشعبنا، وأهالينا من البسطاء، لا نريد جزاءً من أحد ولا شكورًا، اللهم سوى حب الناس الذي هو تاج على رءوسنا، منه نستمد القدرة على العطاء والاستمرار.
كل عام و«البوابة» وكل زملائي الذين شاركوني الحلم بألف خير ومحبة.