الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجالية الروسية وعشق الإسكندرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أيام قليلة وينقضى عام 2020 الذى كان قد أعلن عاما للعلاقات المصرية الروسية من قبل الرئيسين المصرى والروسى، والذي تم تأجيل فعالياته للعام 2021، وإذ نحن على أبواب هذا العام، قد بدأت بعض الفعاليات التى تنظمها وزارة الثقافة المصرية والمجلس الأعلى للثقافة، لكن ما لا يعرفه الكثير منا أن الإسكندرية كانت قبلة للمهاجرين الروس وكانت مدينة الإسكندر ولا تزال تمثل مكانة خاصة فى الوعى الدينى للروس، بسبب القديسة سانت كاثرين، وبسبب تاريخ المدينة وآثارها وموقعها على طريق الحج إلى القدس، وقد وثق لها الكثير من الرحالة الروس فى القرن السادس عشر معلومات تبرز جمال المدينة ومعمارها. 
هذه المعلومات القيمة والثرية عن الهجرة الروسية الأولى والشتات الروسى تم توثيقها بشكل موسوعى فى كتاب "الإسكندرية الروسية.. قدر المهاجرين فى مصر" للباحث جينادى فاسيليفيتش جارياتشكين وترجمة باقتدار على فهمى عبد السلام، والحق أن المعلومات حول الجالية الروسية فى الإسكندرية كانت شبه مجهولة مقارنة بمعلوماتنا عن الجاليات اليونانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية والمالطية والمغربية.. 
بدأت العلاقات التجارية الرسمية والمنتظمة بين مصر وروسيا عام 1858 حيث بدأ الخط الملاحى المباشر بين الإسكندرية وروسيا، تأسست بعدها غرفة التجارة الروسية بالإسكندرية عام 1903 حيث كانت المدينة تمثل محورا هاما فى حركة التجارة الدولية وثالث بورصة على مستوى العالم بعد بورصتى لندن ونيويورك وفى عام 1909 تم توقيع اتفاية التجارة والملاحة البحرية حيث كانت مصر تصدر لروسيا نحو 95% من صادرات القطن المصرى الشهير.
كانت هناك هجرة من المناطق المسلمة فى روسيا القيصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر خاصة من منطقة نهر الفولجا وشمال القوقاز، وبعضهم استوطن حي الجمرك والأحياء القريبة من ميناء الإسكندرية. وفى العام 1917 بلغ تعداد الروس فى مصر 4225 نسمة كان بالإسكندرية وحدها أكثر من ألفى نسمة، وإبان الحرب العالمية الأولى عقب ما يسمى حملة البلقان الأولى، فر الروس إلى الإسكندرية وقامت اللجنة الروسية لمساعدة ضحايا الحرب عام 1914 بمساعدة توطين الجرحى والأسرى وتم تأسيس معسكر بمنطقة سيدي بشر بالإسكندرية تحت إشراف بريطانى بالطبع.
تزايدت أعداد المهاجرين الروس إلى الإسكندرية عقب مذابح المائة السود مع بداية الثورة الروسية الأولى، وبدأت تتدفق أعداد كبيرة من اليهود من روسيا وأوكرانيا هربا من الاضطهاد، لذا قامت سيدة تدعى مدام زفينيجور دسكايا بتأسيس "اتحاد المهاجرين الروس اليهود" عام 1905 بالإسكندرية لتوزيع المساعدات المالية على المهاجرين. 
اندمج عدد من الروس فى الحياة الثقافية المصرية ونظموا عن الإسكندرية أشعارا، حيث كتب بوشكين قصيدة عن الإسكندرية فى روياته الشهيرة " ليالى مصرية"، كما أن الأديب الروسى الشهير ليو تولستوى كانت بينه وبين محمد عبده مراسلات كثيرة، بالتأكيد تمخض عنها كتابه "حكم النبى محمد"، وفى متحف تولستوى الشهير فى موسكو، رسالتان موضوعتان فى صندوق زجاجى أنيق، إحداهما مكتوبة باللغة العربية، بتوقيع مفتى الديار المصرية، محمد عبده، والأخرى باللغة الفرنسية، بتوقيع الأديب الروسى العالمى ليو تولستوى.
حدث تزاوج بين أبناء الجالية الروسية وعدد من الجاليات أهمها اللبنانية واليونانية فضلا عن المصريين، كما عملوا في مهن متنوعة. وبدأت أعداد الروس فى التناقص عقب حرب 1948، وعقب ثورة 1952 ثم بعد حرب 1956 فترة العدوان الثلاثى على مصر، لكن ظلت العلاقات ممتدة وتحديدا العلاقات العسكرية وأيضا لم تتوقف البعثات التعليمية إلى موسكو، ولا يخفى على أحد الدعم الرسوى المستمر للجيش المصري والعلاقات الطيبة فى تبادل الخبرات الحربية حيث احتشدت الصواريخ الروسية لحماية سماء مصر عبر سنوات الحرب ومؤخرا بدأت تدريبات "جسر الصداقة-3" التدريب البحرى المصرى الروسى المشترك لأول مرة في البحر الأسود، ونتمنى أن يشهد عام 2021 تسليط الضوء على جوانب العلاقات الإنسانية والاجتماعية والتاريخية للجالية الروسية فى مصر التى بلا شك قد أثرت المجتمع المصرى فى القرن العشرين.