هل هناك مايسمى بنظرية المؤامرة ؟ هناك من لا يؤمن بتلك النظرية ويعتبر أن من يؤمنون بها مختلقين لهذا المسمى، وهناك من يؤمن بالفعل أن هناك نظرية المؤامرة.
ونحن نعتقد أن المؤامرة،أيًا كان المسمى التاريخى لها وعلى مدى التاريخ، لها وجود بالفعل بل مرتبط هذا الوجود بثنائية الحياة وبحكمة الاختلاف الذى اختصر تحت مسمى الخير والشر. نعم لا يمكن أن تنجح تلك النظرية بغير أسباب موضوعية وواقع مريض يتم اختراقه واستغلال نقاط الضعف فيه، وهذا لا يعنى أننا نوافق على فكرة الارتكاز لوجود هذه النظرية وكأنها هى الحاكمة والقادرة على الفعل وإسقاط أي رد فعل مواجه، أي أنه وحتى ولو كانت هناك وبالتأكيد نظرية المؤامرة فلا بد من سد الثغرات ومن تقوية نقاط الضعف وخلق إرادة المواجهة حتى يتم إسقاط تلك النظريات وهذه المؤامرات.
والمؤامرة دائما ما تكون أهم الأدوات التى يعتمد عليها الشر في مقابل الخير، لأن الخير لا يعتمد على مؤامرة بل هو في حد ذاته مبطل لكل مؤامرة، ولو استعرضنا بعض المحطات التاريخية نجد أن المؤامرة موجودة ومتواجدة بصورة واضحة وجلية، فعندما ظهرت المشكلة الاقتصادية في أوروبا في أواخر القرن الحادى عشر اختلقت الكنسية حين ذاك فكرة المؤامرة تحت زعم وادعاء حماية بيت المقدس وحماية المسيحيين في المنطقة، علي الرغم من أن الهدف الأساسى كان هو استغلال الإمكانات الاقتصادية والجغرافية للمنطقة للخروج من تلك الأزمة الاقتصادية، وحين تأجج الصراع بين الإمبراطورية الفرنسية والإمبراطورية الإنجليزية في أواخر القرن الثامن عشر جاءت حملة نابليون إلى مصر تحت مزاعم عدة، وكان الهدف قطع الطريق على بريطانيا ومستعمراتها في الهند مع استغلال مصر بموقعها وموضعها، وحين توسع محمد على بجيشه ووصل إلى اليونان وأصبح يهدد الدول الأوروبية كانت الحجة هى حماية الدولة العثمانية التى تمثلت في معاهدة 1840 التى أجهضت أحلام محمد على وقلصت دولته، وما كانت نكسة 1967 غير إجهاض وإسقاط التجربة الناصرية التى حاربت الاستعمار وساعدت الشعوب على التحرر من الاستعمار في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وفى كل الأحوال ومع هذه النماذج وغيرها الكثير كان أهم بند في جدول أعمال نظرية المؤامرة هو الاعتماد على الاختراق والدخول والتدخل في شئون الدول الداخلية تحت مسمى حماية الأقليات الدينية واللعب على المشكلات الطائفية والعرقية والقبلية لإثارة تلك النزاعات التفتيتية حتى يتسنى لهم السيطرة عن طريق إثارة هذه المشاعر التنازعية، وكانت تلك الورقة المؤامراتية في مصر دائما وأبدا هى ورقة العلاقة الإسلامية المسيحية، وعلى مر التاريخ منذ الحروب الصليبية مرورًا بالحملة الفرنسية والاستعمار الإنجليزي الذى اعتمد على فكرة ( فرق تسد ) وصولًا للاستعمار الأمريكى المطور تحت شعار حقوق الإنسان وأيضًا حماية الأقليات الدينية وتحت زعم القانون الدولى، ولا شك وفى كل هذه النماذج كان هناك من يتم استغلالهم من تلك الفئات تبريرًا لهذا التدخل، وبكل وضوح وبعد 30 يونيو كان هناك مناخ آخر يبشر بحقوق مواطنة قادمة حتى وإن لم تكتمل الآن، فتم إقرار قانون بناء الكنائس ليحل مشكلة تاريخية وإن كان على المستوى التشريعى الذى يمهد المناخ ليكون الحل على المستويين الاجتماعي والجماهيرى وهذا هو المأمول. أظهر النظام السياسى انحيازه للمصريين دون تفرقة على أساس الدين حين قامت القوات الجوية بالضربة التى استهدفت تنظيم داعش الذى قتل الأقباط في ليبيا بدم بارد. تقدم السيسي جنازة شهداء العملية الإرهابية التى استهدفت الكنيسة البطرسية. يقوم السيسي بزيارة الكاتدرائية المرقسية كل عيد ميلاد الشيء الذى أصبح تقليدا غير مسبوق. تم وضع كوتة للأقباط في المجالس التشريعية (وإن كنت أتخوف منها لما لها من آثار مستقبلية فقد لا تدعم المواطنة بقدر ماتدعم التعامل على الأرضية الطائفية ). كل هذه الأشياء التى تعتبر متغيرًا مهمًا في القضاء على المناخ الطائفى، حتى أننا وجدنا أن الحوادث الطائفية بين المصريين من المسلمين والمسيحيين لم تعد كما كانت من قبل. فهل هذا يجعل أصحاب المؤامرة المعتمدة على إثارة الطائفية ويجعل المتاجرين بالمشكلة القبطية مرتاحى البال ؟ لا أعتقد. فلاشك أن هناك متطرفين ومتعصبين يقتاتون ماديًا والأهم معنويًا ونفسيًا على إثارة الفتنة الطائفية.
ولذا إذا وجدنا احتكاكات طائفية بين مصريين مسلمين، فالقانون يجب أن يكون هو الفاصل والحاكم، فالمسئ إذا ثبتت إساءته لا بد من محاكمته قانونيًا، فليس من العدل أن يدفع الثمن من لا علاقة له بالإساءة، كما أنه لا يجب أن نعمم الخطأ فيدفع الثمن مصريون من هنا وهنا لاعلاقة لهم بالحدث ولا الخطأ فنزيد الفرقة ونصعد المواقف ونكرس الفتنة التى لا ولن يستفيد منها غير المتربص بالوطن وبالمصريين جميعا وبلا استثناء ولا تفرقة بين هذا وبين ذاك.
على القانون أن يأخذ مجراه بلا تردد ولا مجاملة، وعلى العاقلين والمؤمنين بقيم الأديان وتواصلها وتكاملها أن يقوموا بدورهم التنويرى لتصحيح الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى حتى يكون هناك قبول للآخر الدينى وغير الدينى وحتى نستطيع أن نواجه سويًا المخططات والمؤامرات التى تستهدف مصر كل المصريين. حمى الله مصر وشعبها العظيم وحماها من الفتن والمؤامرات.