تحيه طيبة وبعد..
أتقدم بالشكر والامتنان لما تقوم به المفوضية من دور إنساني منذ نشأتها عام١٩٩٣، ونضالها الدائم من أجل حماية وتعزيز حق الإنسان في أن يعيش بكرامة وحرية، فكنتم دائماً الدرع والسيف للإنسانية، فكم واجهتم انتهاكات تهين الإنسان، وكم حاربتم من أجل أن يحصل الفرد علي حقوقه المستحقة والمتأصلة لمجرد كونه إنساناً بغض النظر عن لونه وعرقه ودينه، واتخذتم منهاج التقصي والتحقيق في كل شيء.
لذلك أوجه رسالتي إليكم من مصر ومن قلب القاهرة، لكن قبل قراءة خطابي، عليكم أولاً باستبعاد أي أفكار سابقه، لكي نرى معاً حقيقة المشهد والوضع في مصر، عليكم بالنظر والتأمل من خارج المشهد دون أن تكونوا طرفاً فيه، إذا أردنا تشخيص الوضع الحقيقي لحقوق الانسان في مصر، ومعرفه المعضلات الحقيقية وما هي أسبابها، علينا أن نتطهر أولاً من أفكار ومعتقدات سابقه أو حاضره قد تقودنا الي رؤية ضبابية للمشهد، وليقيني بأن منهجكم هو التقصي والتحقق من كل معلومة ومن كل شيء، فأنا علي يقين بأنكم ستقرأون هذه الرسالة بحيادية وموضوعية، حينها سنعلم حقيقه الحقيقة، وسنجد المعضلة وسبب بعض الأزمات.
عزيزي فى "المفوضية" عليك أن تقرأ تلك السطور بعين ووعي مصريين، عليك أن تنظر للمشهد وكأنك مصري، لذا كن دقيقاً في كيف يري المصريون الأمور وما حكمهم علي الأشياء، وقتها ستتكشف لك الحقائق، لا لعدم وعيكم بالحقيقية ولكن لعدم رؤيتكم للأمور بعين مصرية.
هناك فجوه حقيقيه من منظوركم وحكمكم علي الأمور وبين رؤيه المصريين، لاختلاف الثقافة والعادات والتقاليد، فقد ترون بعض قضايا حقوق الإنسان حريه ويراها النسبة الأكبر من المصريين انحلال أخلاقي، ما ترونه حريه تعبير يراه النسبة الأكبر من المصريين خيانة للوطن، ما ترونه ضد الإنسانية مثل تنفيذ عقوبة الاعدام يراه النسبة الأكبر من المصريين حق أصيل وشرعى وإن لم يكن هناك تنفيذ للقانون سوف يثأرون فلدينا مجتمعات قبلية، ما ترونه حق في ممارسه العمل الحقوقي يراه أغلب المصريين تخابر مع دول أجنبيه ويجب عقاب الفاعل أقصي عقوبة، ما تصدروه من توصيات يراه أغلب المصريين تدخلاً في شؤوننا الداخلية .
هذه هي الحقيقة بحيادية وموضوعيه، وانا هنا أتحدث عن المواطن المصري، عن نظره الشعب المصري للأمور وليس النظام الحاكم، فللأسف الشديد أصبحت الصورة الذهنية للحقوقيين لدي أغلب الشعب المصري سيئة للغاية فالحقوقي في نظر المواطن المصري "خائن، عميل، متخابر، وفي بعض الأحيان خلايا نائمه للأخوان المسلمين"، علينا الاعتراف بأن هناك رفض شعبي حقيقي لكل ما يتعلق بـ"حقوق الأنسان"، الأزمة الحقيقية للحقوقيين في مصر ليست في نظام حكم أو سياسية دولة، الأزمة الحقيقية في الرفض الشعبي لهم ، فإذا كان الشعب صاحب القضية الحقيقي وبطل القصة رافضاً للعمل الحقوقي، فعن ماذا يدافع الحقوقيون؟ لذلك علينا بمعرفه أسباب ذلك وعلاجها بموضوعيه وحياديه لحماية العمل الحقوقي في الحاضر والمستقبل .
وأسباب الصورة الذهنية السيئة للحقوقيين لدي الشعب المصري، يمكن رصدها فيما يلى:
أولاً : ارتباط العمل الحقوقي في أذهان المصريين بالفوضى الخلاقة التي تضرر منها الشعب المصري في اقتصاده وفي الحالة الأمنية التي عاشها المصريون فقد شعر أغلب المصريين باللادولة، لذلك فهو رافض لأي شيء متعلق بالفوضى الخلاقة والأضرابات والتظاهرات وأي نشاط يمكن أن يؤثر علي قوت يومه.
ثانياً : رفض المجتمع لكثير من القضايا الحقوقية التي يعتبرها ضد قيم المجتمع وضد الأخلاق وأحياناً ضد معتقداته الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية.
ثالثاً: الحقوقيون يعملون بشكل صدامي ومتعالي مع المجتمع، باعتبارهم المثقفين المدركين لحقيقه كل شيء، حتي في تعاملهم مع مؤسسات الدولة دائماً لديهم لهجه تعالي باعتبار إنهم وهم فقط الصح والأصح.
رابعاً: يعتبر أغلب المصريين التعامل مع جهات خارجيه ودبلوماسيين أجانب خيانة للوطن، كما ينظر المصريون للتمويل الأجنبي باعتباره عملا مشبوها.
هكذا يري المواطن المصري صاحب القضية، فالأزمة ليست في نظام ولكن في شعب رافض، لذلك فمن المهم العمل علي تحسين الصورة الذهنية للحقوقيين واستبعاد الوجوه المكروهة من الشعب المصري والعمل بموضوعيه دون تزييف للحقائق والمبالغة، والبعد عن كل ما هو ضد قيم وعادات وتقاليد المجتمع المصري.
لكننا لا نستطيع استكمال المشهد دون النظر الي الدولة المصرية ومؤسساتها، كأي دوله بالعالم بها بعض الانتهاكات فلا يوجد على سطح الكوكب بأكمله مدينه فاضلة، فالعالم ليس به (يوتوبيا)، وكأي دولة ترغب في تنفيذ القانون وتقنين أوضاع العاملين في أي مجال لممارسة نشاطاتهم طبقاً لقوانين ودستور الدولة، كذلك كأي دولة إذا اقتربت الحرية وحقوق الإنسان من أمنها القومي فلن تتهاون في الحفاظ على أمنها القومي، ومصر لديها حرب شرسة مع جماعه الاخوان المصنفة في كثير من البلدان ومنها بلدان أوروبية باعتبارها جماعة إرهابية، هذه الاعتبارات يجب أن نضعها في الحسبان أولاً.
وعلي الجانب الآخر
- تستندون في كثير من قراراتكم وتوصياتكم لتقارير صادره من منظمات تعمل من الخارج ولا تعلم حقيقه مجريات الأمور في مصر وما يعيشه المصريون ، مما يفقدهم مصداقيتهم في التحقق والرصد.
- المبالغة، أخطر من أساء للعمل الحقوقي وأخطر ما أضر بالحقوقيين، المبالغة في التقارير والأحداث، المبالغة في الحقائق والأرقام، المبالغة في كل شيء، فمن المنطق تصنيف تلك المنظمات باعتبارها منظمات إخوانية أو تدعى اليسارية، تخدم مصلحه جماعة الأخوان المسلمين.
- النسبة الأكبر من المنظمات الحقوقية لا تعمل بشكل قانوني حيث إن القانون حدد المسار الصحيح للجمعيات والمنظمات الأهلية ولكل من يرغب في العمل العام، لكن النسبة الأكبر من المنظمات التي تعمل في المجال الحقوقي تتخذ أشكال غير قانونية للعمل .
- وجود منظمات تتصيد الأخطاء وتعمل وكأن بينها وبين الدولة المصرية ثأر.
لعلاج تلك الأزمات يجب علي المنظمات العمل بشكل قانوني ، فصل العمل الحقوقي عن السياسة، العمل بموضوعيه وحيادية دون الانحياز أو المبالغة ، كما لابد من فتح حوار بين الدولة وبين الحقوقيين.
رسالتي إلي المفوضية السامية وكل من يهتم بوضع حقوق الإنسان في مصر، تتلخص فى أن المشكلة في عدم فهم وجهة نظر المصريين ورؤيتهم للأمور، في عدم احترام القانون المصري وعمل الحقوقيين وكأنهم أقوي من القانون واستقوائهم بالخارج، الأزمة في الكذب والمبالغة في ملفات كثيرة، وتزييف الحقائق وتزوير الأرقام، الأزمة الحقيقية في خلط السياسية بالعمل الحقوقي ودخول الاخوان المسلمين وسيطرتهم علي كثير من منظمات المجتمع المدني، عدم التقصي والتحقق من المعلومات الصادرة من منظمات لا تعمل من داخل مصر، علينا السعي لحوار بين الحقوقيين وبين الدولة المصرية بدلاً من هذا العداء، علينا النقاش والتحاور بدل العراك، علينا خلق جيل جديد من الحقوقيين مقبول شعبياً ويعمل طبقاً للمعطيات الجديدة للدولة المصرية.