الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عملات نادرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أحب أن أصف من يساعدوننا في المنزل بالخادمات، دائما أقول: "الست اللي بتساعدني"، فعندما انتهت مأمورية أبي في بورسعيد ورجعنا إلى منزلنا بمصر الجديدة عادت أمي إلى عملها في الوزارة واستعانت بفتاة في سن 16 سنة لمساعدتها في المنزل اسمها اعتدال، عاملتها أمي برفق ووعي كأنها أختنا وابنتها، فكانت تمنحها ملابس جديدة مثل التي تشتريها لنا وتهتم بنظافتها وتعلمها القراءة والكتابة وطريقة الكلام والسلوك الحسن وتجعلها تنام بجوارنا في السرير، نشأت اعتدال معنا وأنا أحسبها قريبتنا من بعيد، كانت جميلة ورقيقة ونظيفة وتقوم بكل أعمال المنزل بنفس هادئة وصوتٍ خفيض ولا تتدخل في الكلام، أحسنت أمي رعايتها، لذا لم تفرط في اعتدال لأي أحد، فعندما تقدم لخطبتها المكوجي الذي كان دكانه بجوار منزلنا سألت عنه أمي وعرفت أنه غير متعلم وستعيش معه في بيت أسرته كأنها خادمة لهم، فرفضت بشكل قاطع، ولم توافق على تزويجها إلا حينما تقدم لخطبتها قريبها المتعلم الذي كان سيوفر لها مسكنا خاصا في بلدها بجوار أسرتها، وكانت اعتدال قد أتمت الخامسة والعشرين من عمرها فجاء قريبها مع والده ليخطبها من أبي وأمي في حضور والديها، ساعدتها أمي في جهازها واصطحبتنا لحضور عرسها في بلدتها بعد أن منحتها ما جادت به من أجمل الأشياء.
كنت قد وصلت إلى الجامعة بعد زواج اعتدال وسفرها إلى بلدتها فاستعانت أمي بعدها بكثيرات ليساعدنها في البيت ولكن دون إقامة، كن يأتين ثلاث مرات فقط في الأسبوع. 
تخرجت وتزوجت وبدأت أستعين بمن تساعدني بالمنزل فلم أجد مثل اعتدال، لا أدري هل تغير الزمن أم الناس هم من تغيروا فقد رأيت منهن العجب العجاب.
منها من كانت تكسر لي في كل مرة شيئا من التحف الموجودة، حتى وصلت إلى كرسي السفرة يسقط من الشرفة لا أدري كيف، وبالطبع لم أحتمل الخسائر المتعددة واعتذرت إليها، إلى أن قابلت سيدة أخرى ممتازة لدرجة أنني نصحت بها صديقاتي ودخلت بيوت أربعة منهن، ثم اكتشفت بعد سنة أنها سرقت منهن جميعا ملابس وذهب وأموال وعندما اكتشفت صديقتي هذا صارحتها فأنكرت، ولما عاتبتها قالت لي: "ولكني لم أسرق منك شيئا يا مدام إلا أنت". 
وتوالت بعدها نماذج أخرى عديدة حتى رزقني الله بسيدة على خلق وضمير وربما تفوق اعتدال في كل شيء. 
المهم أن كل من استغنيت عنهم خصصت لهم معاشا شهريا حتى لا أشعر بالذنب أنني أقصيتهم عن العمل، فليس لنا فضل فيما نحن فيه إنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء ولا نزكي على الله أحدًا.