الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تنقية التراث.. ودور الدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة تنقية التراث لا سيما الدينى بحجة أن بعض النصوص تؤسس للفكر الداعشى الظلامى، وما بين محافظ يدعو لعدم المساس أو الاقتراب من التراث وتنويرى يدعو لضرورة غربلة وتنقية التراث تدور رحى المعركة الفكرية القديمة والتى لم تضع أوزارها بعد رغم مرور الآف السنين عليها، وواقع الأمر أن أى معركة فكرية لا يمكن ان تنتهى، فالأفكار لا تموت ولديها القدرة على اجتياز عقبة المكان والزمان، فنراها تسافر عبر الأزمنة وتخترق حواجز الحدود، ولو كانت الأفكار تنتهى وتموت بموت أصحابها ما وجدنا الآن قرابة المليار من البشر يدينون بالهندوسية أو أكثر من نصف مليار إنسان يدين بالبوذية، ناهيك عن الأديان السماوية الكبرى كالمسيحية والإسلام، وناهيك أيضا عن أفكار الفلاسفة وأصحاب الرؤى والنظريات كسارتر وكارل ماركس وغيرهما.. وأتباع أى فكرة ينقسمون فيما بينهم إلى فئتين، الأولى سلفية، بمعنى الإيمان المطلق والحرفى بالنصوص والتعاليم الأصلية لهذه الفكرة ورفض أى تفسيرات حديثة لها، وهؤلاء يمكن وصفهم بأصحاب الفكر التقليدى، ذلك الفكر المنغلق على نفسه، وهذا التوصيف لا يعيب أصحابه وانما هو للتوضيح فقط، بل أن بعض هؤلاء يفخرون بهذا التوصيف باعتبار أنهم استطاعوا الحفاظ على الفكرة التى يؤمنون بها دون تشويه، أما الفئة الثانية فهى الثورية أو التجديدية والتى تؤمن بضرورة التطوير وتعدد التفسيرات للنصوص القديمة، وما بين هاتين الفئتين توجد فئة ثالثة تسمى نفسها بالوسطية أو المعتدلة والتى تأخذ من التراث ما يتواءم مع حاضرنا، وهذه الفئة تواجه دائمًا رفضًا ونقدًا من الفئتين المتحاربتين، فكلاهما يعتبرانها كمن رقص على السلم، لتبقى نيران المعركة مشتعلة، وهذا كما ذكرنا لا يخص الإسلام وحده أو أى ديانة أخرى، بل يتسع ليشمل كل الأفكار والمعتقدات بما في ذلك المذاهب السياسية، والقضية المثارة حول ضرورة تنقية التراث الإسلامى وتجديد الخطاب الدينى هى مرفوضة بشكل قاطع من التقليدين أوالمحافظين الذين يقدسون نصوص السلف ويعطونه نفس قدسية النص الإلهى، وأما أصحاب الفكر التجديدى والذين يصفون أنفسهم بالتنوريين، وهذا اللفظ – في رأيى – يسىء لأصحاب الفكر المحافظ أوالتقليدى، فالنور عكس الظلام، وصفة الظلام لا يجب أن يوصف بها كل من إتخذ الفكر المحافظ مذهبًا له، والمشكلة التى أججت المعركة وطرحتها على الساحة الثقافية خلال السنوات الأخيرة ترجع ياسادتى الكرام – ولا تندهشوا من ذلك – إلى دور النشر ومطابع كتب التراث، والتى تحقق أرباحًا خيالية رغم تراجع نسب القراءة للكتب الورقية أمام زحف التكنولوجيا والنشر الرقمى ولكن حتى الآن يحرص المسلم على اقتناء تفسير القرآن العظيم لابن كثير وصحيح البخارى، وصحيح مسلم، والسيرة النبوية لابن هشام، وزاد الميعاد لابن قيم الجوزية، فضلًا عن تاريخ الطبرى والفتاوى لابن تيمية، هذه الكتب التى تعد الأعلى مبيعًا في معرض الكتاب كل عام وأصبحت تباع عبر التسويق الإلكترونى أكرر وأقول هى سبب الكارثة، لأن الناشر سواء بقصد أو بغير قصد يأتى بنسخة قديمة غير محققة ويعيد طباعتها ليتم تداولها بعد ذلك بين عموم الناس، بينما كنا في الماضى نعتمد في قراءة هذه النصوص على تقنية التحقيق، هذه التقنية التى لاغنى عنها عند قراءة أى كتاب تراثى، وحتى وقت قريب كان اسم المحقق أهم من اسم صاحب الكتاب، ذلك عندما كانت الهيئة المصرية العامة للكتاب تقوم بنشر هذه الكتب التراثية، ولكن ومنذ سبعينيات القرن الماضى انتشرت بين أيدى الشباب طبعات من كتب التراث غير المحققة فكانت النتيجة هى ظهور فكر متطرف يدعو للعنف وسفك الدماء باسم الدين، ولست أبالغ حين أقول إن الدولة يجب أن تنتبه لهذا الأمر، ويجب أن توقف عملية طبع كتب التراث وأن تختص هيئة الكتاب وحدها بهذا العمل وأعتقد أن الدولة لو فعلت ذلك فسوف تكون النتيجة مبهرة، تماما مثلما حدثت المراجعات الفكرية في التسعينيات لقادة جماعة الجهاد أثناء وجودهم في السجن، فالمراجعات ماهى إلا قراءة جديدة ومحققة للتراث القديم، أقول هذا لأنى اشتريت كتابا تراثيًا عبر موقع إلكترونى وحين استلمته اكتشفت أنه غير محقق ووجدته يحمل نصوصًا تحتاج للتحقيق والتدقيق، فالأمر جد خطير يا سادتى الكرام ويحتاج لتدخل فورى من الدولة.