مر مفهوم الأمن القومي بمرحلتين مهمتين نتيجة التطورات العالمية: في المرحلة الأولى كان ينظر إليه بالنظرة الاستراتيجية الضيقة، وهي صد هجوم عسكري معادٍ وحماية الحدود من الغزوات الخارجية والمحافظة على الاستقلال الوطني، وفي المرحلة الثانية صار على الدولة أن تؤمن مواطنيها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ضد أي أخطار متعددة فرضتها طبيعة الانفتاح الواسع على العصر الحديث.
لا شك أن الاستقرار في المنطقة العربية يعد أحد دوائر استقرار الأوضاع داخل الدولة المصرية؛ وبذلك تعتبر مصر رمانة الميزان في العالم العربي .
ولعلي على مائدة البحث استدعى من مضبطة الإنكليز المثل البريطاني القائل: (مصر إذا عطست أصيبت منطقة الشرق الأوسط بالزكام والإنفلونزا المخيفة)!
وهذا يعني أن مصر بموقعها المتفرد وبما حباها الله سبحانه وتعالى من خيرات، ومكانة كبيرة؛ محط أنظار العالم أجمع؛ لكونها لاعبا مؤثرا في المشهدين الإقليمي والدولي حتى وإن أخفقت في عقود سابقة بعض الشيء، إلا أن مصر تظل المعادلة الصعبة صاحبة التأثير في المشهد السياسي بكل أبعاده الأمنية والإستراتيجية.
بعد ما سمى الربيع العربي بات حتميا أن تتحرك مصر لحماية أمنها القومي بدوائره الخمس التي لا تقبل مجالا للشك أو المزيدة.
(الدائرة العربية)
بعد أحداث الربيع العربي، في الكثير من الدول في المنطقة كسوريا، واليمن، وليبيا، ومن قبلهم العراق لم يك لمصر أن تغفل أو تنام؛ لكونها الجيش الوحيد الذي نجى من مخطط السقوط والانقسام؛ ولحضارة شعبها العريق؛ الذي تحمل المسؤولية؛ وفطن إلى ما كان يحاك بظلام ليل حالك السواد.
(الدائرة الأفريقية)
لا ريب أن العلاقات المصرية الإفريقية قد شهدت قبل ذلك فتورا كبيرا لا سيما بعدما كانت قد شهدت تحركات كبيرة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كدعم اقتصادي واحتواء على كل الميادين.
إزاء هذا البعد المصري الأفريقي عملت القيادة السياسية المصرية على عودة مصر إلى أحضان قارتها الأفريقية وبعودة الدور المصري للقارة السمراء مرة أخرى.
(دائرة حوض نهر النيل)
جراء إهمال مصر لدول المنبع، وفي غفلة من الدور المصري جاء ملف سد النهضة الإثيوبي بعد أن استغلت إثيوبيا انشغال مصر بأحداث 25 يناير؛مما كاد أن يهدد الدولة المصرية في أمنها المائي القومي.
فكان التحرك المصري ونجاح الدبلوماسية المصرية في تدويل قضيتها في كل المحافل الدولية، دفاعا عن حقوقها التاريخية المشروعة.
( دائرة البحر الأبيض المتوسط)
على الرغم من أن هذه المنطقة كانت هادئة لا يعكر صفوها شيء إلا أن تفكك سوريا من ناحية وليبيا من ناحية أخرى وتركيا راعية الإرهاب إلى جانب شقيقتها المارقة قطر أوجب ذلك كله على مصر نظرتها الثاقبة لاستغلال مواردها وحقوقها الجغرافية والقومية في الغاز الطبيعي والذي أثبتت الدراسات أن هذه المنطقة تطفو على بحيرات من الغاز الطبيعي .
مما دعا القيادة السياسية المصرية للزيارات المتتالية لقبرص واليونان لترسيم الحدود بين مصر وهذه الدول منعا لاي تدخلات أجنبية فيما بعد.
(دائرة البحر الأحمر)
لم تعر مصر قبل ذلك اهتماما للبحر الأحمر حيث كان يمثل مجرد بحيرة عربية؛فكانت تحده مصر والسعودية من ناحية الشمال والسودان واليمن والصومال من ناحية الجنوب.
وكانت اليمن هي المسيطرة على مضيق باب المندب، وبدأت الصومال عمليات القرصنة نظرا لتدهور الأوضاع بداخلها إلا أنه لم يمض وقت طويل من السيطرة على هذه العمليات حتى احترقت اليمن بالاحداث، وبدأ الحوثيون محاولات السيطرة على المضيق وجزره مما هدد الملاحة البحرية.
وسارعت مصر في التحرك وعقد الاتفاقيات؛ حفاظا على عدم دخولها في بؤرة الصراع في هذه المنطقة، ولها كافة الخيارات المتاحة في حال تهديدها جراء ذلك.