السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تربية الآباء..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قد يظن القارئ الكريم أن ثمة خطأ في عنوان هذا المقال «تربية الآباء..!»، لأن التربية اقترنت في أذهاننا بـ«تربية الأبناء».. أما أن يأتى مقال ويتحدث عن تربية الآباء، فهذا أمر غير مألوف!.. وحقيقة الأمر أننى أنوى الحديث عن ضرورة تربية الآباء حتى ينصلح حال الأبناء. 
«فلنربِّ أنفسنا أولًا إذا أردنا أن نربى أبناءنا تربية جيدة».
هذه العبارة الشرطية قد تثير في ذهن القارئ خليطًا من علامات الاستفهام والتعجب، نظرًا لما يكتنفها من غموض، لذا سوف أسعى إلى توضيح ما أعنيه بها. 
قليلون يمكنهم الاعتراف علانية - أو حتى بينهم وبين أنفسهم- بفشلهم في تربية أبنائهم، وأن مسئولية هذا الفشل والإخفاق إنما تقع على كاهلهم هم - كأمهات وآباء- دون سواهم!.. هم في أغلب الأحيان، لا يعترفون بذلك، بل يرجعون أسباب الفشل إلى عقوق الأبناء أو سوء طبعهم، أو يرجعونه إلى أن هذا الجيل من الأبناء مختلف ومتمرد بقدر بالغ السوء، وعلى نحو لم تعهده الأجيال السابقة، أو حتى يرجعونه إلى ظروف خارجة عن إرادتهم وإرادة أبنائهم. 
وهناك من يرجع سبب فساد الأبناء إلى تدليل الأم لهم، أما الأم فقد ترى أن غياب الأب بسبب انشغاله بماله وأعماله، هو الذى أدى إلى انحراف الأبناء، وهناك أسباب كثيرة لهذه الظاهرة تخرج عن دائرة الحصر، ولكننا لن نجد أحدًا يعترف صراحة بأن السبب الرئيس لفشله في تربية أبنائه؛ أنه هو نفسه لم يتلق تربية جيدة.
كيف ننتظر تربية جيدة من إنسان هو نفسه لم يجد من يربيه التربية السليمة؟! كيف ننتظر شيئًا من إنسان فاقد لهذا الشىء؟! إن فاقد الشىء لا يعطيه.. إن «عديم التربية» ليس في وسعه أن يربى أحدًا.
عبارة «عديم التربية» هذه تطلق على الشخص «الذى لم يجد من يوجهه توجيهًا تربويًا سليمًا»، وهى في أحيان كثيرة تستخدم كنوع من التوبيخ أو السب أو الشتم، وهى تعادل عبارة «قليل الأدب»، غير أننى لن أستخدمها هنا بهذا المعنى، وإنما سوف استخدمها بمعنى خاص جدًا، إننى سوف أشير بعبارة «عديم التربية» إلى افتقار المرء إلى «التربية الإنسانية الصحيحة»، فالتربية السليمة لا بد أن تستند إلى أسس إنسانية، وأن تهتدى بالمبادئ والأفكار التى وضعها المفكرون والعلماء من أجل رعاية صحة الأبناء النفسية والبدنية وتنشئتهم تنشئة تحقق طموحاتهم التى تتناسب مع إمكاناتهم الذهنية والعضلية، وتتوافق مع القيم الإنسانية وتخدم مجتمعاتهم وتنهض بها، وهذا يعنى أننى لا أقصد السب أو الشتم بهذه العبارة. 
على ضوء ما سبق سوف أتناول بالعرض والتحليل ما أثير في الأيام القليلة الماضية على صفحات التواصل الاجتماعي حول ما يمكن تسميته «طفل المرور» أو «ابن المستشار»، تلك القصة التي تُحكى عن صبى اعتدى على أحد رجال الشرطة أثناء تأدية عمله، اعتمادًا على أن والده هو أحد كبار رجال القضاء. 
إذا نظرنا إلى هذه الواقعة: «واقعة طفل المرور» ابن سيادة المستشار؛ لأدركنا على الفور كيف تتم الاستهانة بالقانون في مجتمعنا. القضية ليست قضية صبي أرعن أساء الأدب، بل هى إهدار للقانون وعدم احترامه في بلادنا من قِبَل أناس واجبهم يحتم عليهم حماية القانون وصيانته. إن ذلك الصبى رأى والده سيادة المستشار يهدر القانون مرارًا وتكرارًا دون أن تطرف له عين، ويستهين بالأمن ويهين رجاله ليل نهار؛ على مرأى ومسمع من جميع أفراد أسرته- بما فيهم بطبيعة الحال «طفل المرور»- والأطفال والصبية عادةً ما يكونون مبهورين بالأب ومفتونين به، فهو المثال والقدوة. ومن شدة إعجاب «صبى المرور» بوالده سيادة المستشار أراد أن يترسم خطاه ويقتفى أثره، ويسير على دربه؛ فسلك على نحو ما سلك والده. فلماذا يُحَاكم ذلك الصبى المسكين؟! 
ألسنا نحن الذين تتردد على ألسنتنا دومًا تلك المقولة الشهيرة: «مَنْ شابه أباه فما ظلم»!! 
حاكموا الأب الذى كان قدوة سيئة.. بالغة السوء!!.. قبل أن تحاكموا ذلك الصبى. 
حاكموا المجتمع الذى لا يحترم القانون ويهدره!!.. قبل أن تحاكموا ذلك الصبى. 
حاكموا كل صاحب منصب رفيع يدهس القوانين بالحذاء!!.. قبل أن تحاكموا ذلك الصبى.
لن تكون واقعة «طفل المرور» ابن سيادة المستشار هى الأخيرة في ظل مجتمع يكيل بأكثر من مكيال.. مجتمع يحمى القوي ويسحق الضعيف.. مجتمع يزداد فيه الغنى ثراءً ويزداد فيه الفقير فقرًا. إن تحقيق العدالة وتطبيق القانون على الجميع دون استثناءات هو السبيل الأمثل لرقى المجتمع وازدهاره،إنه الضمانة الأكيدة لأمن الوطن واستقراره.