قويت شوكة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط بدعم بعض الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبتخاذل هذه الدول أيضًا في مواجهة هذه الظاهرة التي أحلت على منطقتنا العربية، لم يقتصر الأمر على ذلك بل ذهب إلى دفاع هذه الدول عن وجود هذه التنظيمات تحت لافتات وعناوين كثيرة.
لا أحد يجادل في أن هذه الظاهرة ظهرت في بيئتنا العربية والإسلامية، ولها علاقة بثقافة مجتمعاتنا وفهم بعض هذه المجتمعات الخاطئ للدين، لكن في نفس الوقت لا نستطيع أن نفصل دور أمريكا وبعض الدول الكبرى في انتشار عن الظاهرة حتى باتت على ما هي عليه الآن من خطر حقيقي أصبح يُهدد العالم بأكمله وليست المنطقة العربية فقط.
دعمت إدارة البيت الأبيض جماعات العنف والتطرف عندما دخلها الجمهوريين، ودعمت أمراء هذه التنظيمات عندما دخلها الديمقراطيين أيضًا، وأصبحت المنطقة العربية حبيسة الاستغلال الدائم لجماعات العنف والتطرف والتمرد في منطقة الشرق الأوسط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدم مصلحتها الخاصة والتي رسمتها في دعم هذه التنظيمات على المصالح العليا للأوطان والإنسان، حتى بات الإرهاب ظاهرة معولمة أكثر انتشارًا وتُهددد الشرق والغرب.
إذا تأملنا الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقد الأخير سوف نكتشف ما أشرنا له؛ عندما قامت دولة داعش في 29 يونيو من العام 2014 في عهد الرئيس الديمقراطي بارك أوباما، الذي صرح بعد شهور من إعلان هذه المملكة أن التحالف الدولي المشكل لمواجهة التنظيم الأكثر تطرفًا بقيادة أمريكا، دوره يقتصر فقط على الحد من قدرات داعش وليس القضاء عليه، حتى جاء سلفه الجمهوري للبيت الأبيض دونالد ترامب، والذي أعلن انتهاء دولة داعش في 22 مارس من العام 2019، وقد كان إعلانًا مزيفًا وغير مفهوم، كيف تخرج الولايات المتحدة لتعلن إنتهاء تنظيم الدولة بينما كان زعيمه على قيد الحياة؟، ولم تفسر أمريكا بتصريح رئيسها في ذلك الوقت ماذا يُعني إنتهاء داعش؟
قامت داعش في عهد الديمقراطيين في البيت الأبيض، وأصبحت داعش أكثر شراسة في عهد الجمهوريين الذين أعلنوا القضاء عليها، لنكتشف أن أمريكا قضت على التنظيم مكانيًا فقط، أي لم يعد له وجود على أرض الواقع ولكنه لم يختفي كفكرة، بل بات أكثر خطرًا، فعندما تفككت الدولة التي أنشأها في الرقة والموصل، تناثرت قياداته في كافة أنحاء العالم، وعاد بعض مقاتليه إلى عواصمهم الأوروبية والعربية التي أتوا منها، وأصبحوا يمثلون خطرًا أكبر مما كانوا يمثلونه في السابق.
عودة هؤلاء المقاتلين تم في صورة ذئاب منفردة ومتفرده، خاملة ونشطة، هذه الذئاب هي التي ضربت أمن أوروبا في مقتل، واستهدفت مؤخرًا فرنسا وفيينا ومن قبل عواصم أوروبية أخرى، فرغم قوة أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلا أنها كانت تقف عاجزة أمام تحور هذه الخلايا وتسللها بالصورة التي باتت عليها دول كبرى رغم قوة الأجهزة الأمنية فيها.
أسباب كثيرة يمكن أن نتحدث فيها بخصوص مواجهة أمريكا للإرهاب، والتي تمثلت في ضربات جوية بينما تركت الفضاء الإلكتروني يملاؤه التنظيم حتى نجح في الانتشار والتوسع والتجنيد، والعجيب أن هذه التنظيمات نجحت في استخدام التكنولوجيا الأمريكية بصورة أفضل من استخدام أمريكا لها، فهذه التنظيمات، على سبيل المثال، تتواصل مع بعضها البعض من خلال برنامج tor المشفر الخاص بالبحرية الأمريكية ومئات البرامج الأمريكية، وهنا أخطأت أمريكا في مواجهة هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة أمنيًا وعسكريًا، بينما لم تقدم شيئًا يُذكر في إطار المواجهة السيبرانية، وبات التنظيم الأكثر تطورًا في هذا الباب، فضلًا على أنها لم تقدم شيئًا يستطيع أن يُضاف لرصيدها في مساحة المواجهة الفكرية.
وهنا نستطيع أن نقول إن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تمثل عبئًا على العالم في معركة مواجهة الإرهاب والتي لم تحقق فيها شيئًا، بل لا نكون مبالغين عندما نقول إنها دعمت هذه التنظيمات تحت لافتات كثيرة، منها دعم حقوق الإنسان ودعم اللاجئين، فأغلب قادة وأمراء الإرهاب هربوا من أوطانهم العربية إلى العواصم الغربية واحتلوها ليمارسوا إرهابهم الفكري والعملي، ورضيت هذه الدول أن تكون منصات أطلق منها هؤلاء المتطرفيين الأفكار والنيران على خصومهم.
للولايات المتحدة الأمريكية مصالح، ومصالحها مقدمة على كل شيء، هذه المصالح تتناغم بصورة كبيرة مع جماعات الضغط وجمعيات حقوق الإنسان والتنظيمات المتطرفة، ومن هنا كان دعم الديمقراطيين لحقوق تنظيمات العنف والتطرف والتمرد، دون أي اعتبار لخطرها، فهم بمثابة العصا التي كانت ومازالت تضرب من خلالها أمريكا دول الشرق العربي، وكانت تقبل هذه التنظيمات هذا الدور.
الخلاف الدائر على الساحة الأمريكية بين مرشحين أحدهما وصل للسلطة جو بايدن وآخر تركها دونالد ترامب، اتهم الأخير حزب الأول بأن في عهده قامت داعش وحدث لسوريا واليمن وليبيا والعراق ما حدث، وهو ما وفر بيئة خصبة لتمدد تنظيمات العنف والتطرف، وهو ما رد عليه الأول بأن الديمقراطيين إذا كانوا قد دعموا الإرهاب، فماذا فعل الجمهوريين لمواجهة الإرهاب؟ غير بعض الضربات التي لم تقضي عليه بل أصبح أكثر شراسة، مثل الخلايا السرطانية التي تضرب جسد الإنسان بضراوة عند مواجهتها، وهنا يُصبح العلاج خطرًا وغير محسوبة عواقبه.
اتهامات متبادلة نفهمها ولا نتفهمها بطبيعة الحال، ولكنها تؤكد أن أمريكا كانت وما زالت الداعم الأكبر لجماعات العنف والتطرف، مهما رفعت من لافتات مواجهة الإرهاب وأقامت مؤتمرات في هذا الشأن، وحكمنا منصب على سياستها في الأساس ووقوفها أمام الجهود العربية لمواجهة تنظيمات العنف والتطرف في المنطقة، العين المجردة تستطيع أن تلتقط الصورة الصحيحة للدور الأمريكي في المنطقة، ودعمها السابق لتنظيم قاعدة الجهاد في الثمانينات من القرن الماضي.
قدمت أجهزة الاستخبارات الأمريكية دعمًا مباشرًا للمقاتلين العرب أو ما أطلق عليه وقتها المجاهدين العرب في أفغانستان أثناء الحرب الأفغانية، تحت لافتة مواجهة الشيوعية الكافرة! بشعارات الجهاد في سبيل الله وغيرها مما رفعته القاعدة، قام هؤلاء المقاتلون المدعومون من الــ CIA بإنشاء قاعدة بيانات للمقاتلين بعد انتهاء الحرب، على اعتبار أن الجهاد باقي إلى يوم الدين حتى نشأ تنظيم القاعدة استنادًا لقاعدة البيانات هذه.
أكذوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الإرهاب لا تخفى على المتابعين أو الراصدين للتنظيمات المتطرفة وتحورها، ولا يمكن أن تخدعنا أمريكا بغض الطرف عن تحركات هذه التنظيمات أو بتوفير الدعم لها حتى تكون أداة في يدها، ولكن ما لا يمكن أن نفقده هو قراءتنا الدقيقة للسلوك الأمريكي في مواجهة الإرهاب.