الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نبيل عتريس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الآن يمكنني الكتابة عن نبيل عتريس.. صديقنا الذي رحل في هدوء لم يشكُ من مرض ولم يقدم لنا تمهيدا عن رحيله المباغت.. اشتبك مع الحياة حتى آخر لحظة من عمره ولما حانت اللحظة قال: وداعًا ورحل خفيفا خفيفا.. ليترك لنا وجعا في وزن الجبل كما ترك لنا حيرة وتساؤلات مؤلمة.
نبيل لمن لا يعرفه هو طالب كلية الهندسة مطلع السبعينيات الذي لم تسحره كلية القمة لينفصل عن البسطاء.. بل ألقى نفسه بكل روحه في أتون الحركة الوطنية مناضلا صلبا في صفوف الطلاب الغاضبين من حالة اللاسلم واللاحرب مطالبين بحسم المعركة مع إسرائيل واستعادة سيناء.. اختصم ومن معه انور السادات فكانت بوابة السجون أقرب إليهم من بيوتهم.
هذه لم تكن البداية ولكنها نقطة الانطلاق للشاب نبيل عتريس السويسي المنشأ الذي ذاق وأسرته مرارة التهجير فوهب نفسه للبطولة والانتصار .. وكما كان نبيل واحد من قادة الحركة الطلابية في السبعينات التي اتسمت بانحيازها للفكر الاشتراكي كان نبيل وهو في هذا السن كبير عائلته الصغيرة التي تعتبرها نموذجا لما يجب أن نكون عليه . الأسرة بالكامل منخرطة في العطاء الوطني ساعدهم في ذلك وتد الخيمة الأم التي انكسرت في حرب السويس وانتصرت في القاهرة وجاءت لنا بالدكتور عماد عتريس والكاتبة الصحفية كاميليا عتريس زوجه الخطاط والصحفي الرمز محمد بغدادي وكلهم تحت ظل النبيل نبيل عتريس يتحركون نحو بوصلة واضحة تشير إلى ضرورة الوصول الى وطن تقدمي ينعم أبناءه بتعليم وعلاج وسكن وعمل.
لم تكن مواجهة نبيل ورفاقه لانور السادات في عام الضباب 1972 مجرد فوران شبابي وحماسة تنتهي مع الوقت ولكنها مواجهة أصيلة تأسست في إطار فكري وتنظيمي لذلك كانت المواجهة الثانية ضد معاهدة الصلح المنفرد كامب ديفيد وكالعادة تبتلعهم السجون ثانية نبيل وشقيقه عماد وغيرهم ليتعلموا النوم على البلاط في الزنازين واقتسام الرغيف مع الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم.
هنا يصبح من الطبيعي أن ينتظم نبيل عتريس في حزب التجمع مع رفقاء عمره المهندس طلعت فهمي والمهندس محمد صالح للنضال وفق آليات حزب علني شرعي لليسار.
ويلتزم عتريس بعضويته ليصبح واحدا من أهم قادة الحزب في هذه المرحلة توطدت علاقتي بهذا النبيل الذي كان بالمصادفة صديقا صدوقا لواحد من أساتذتي في الإسماعيلية وهو الأديب المناضل محمد عيسى القيري.. في مرحلة التجمع لم يغب عتريس كبير عائلة العتارسة عن تحرك جماهيري في الشارع مهما كان عدد من تحركوا .. خاض قبل 25 يناير عشرات الثورات الصغيرة التي مهدت لانفجار يناير الكبير مدافعا عن قناعته التي تتلخص في سطر واحد "الخبز والحرية لكل الشعب".
قابض على الحلم واضح الرؤية. جاءت يناير وما بعدها من إخفاقات وتمكين الإخوان من رقابنا ومازال عتريس يقاوم مع زملائه واثق من النصر وساعيا بكل جهد نحو مصر المدنية لذلك رأينا نبيل وهو في موقع امين عام المكتب الاستشاري لحزب التجمع يدفع بكل قوة نحو 30 يونيه مهما كان الثمن مواجها فاشية الإخوان واستبدادهم .. ويتحقق النصر تلو الآخر .. وتعلو ابتسامة النبيل عندما يلقاني في وسط البلد بصحبة محمد سعيد وسيد عبدالعال " يا ابو الخلد كفاية سفر.. عاوزينك معانا"
لو كنت أعرف أن نبيل سوف يخدعنا ويموت ما كنت أنهيت سفري الاضطراري لنخوض أنا وهو جولة انتخابات داخلية بالحزب كمرشحين للمكتب السياسي ونخرج منها معا وأملنا مازال قائما بمستقبل مشرق للحزب.
نبيل الذي عاش ينسج خيوط الأمل للفقراء مات ليحرمنا من بهجة اللقاء وتنسحب من أرواحنا حماسة المشي على الطريق ويتضاءل الهدف.