الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القيم الإنسانية المشتركة بين الشعوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن أصل البشرية واحد منذ بداية الخلق، والبشر متساوون في الكرامة الإنسانية على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم وأديانهم وثقافاتهم. وإذا كان ثمة تنوع واختلاف بين البشر نتيجةٌ للتنوع الحضارى للأمم، فإن هذا التنوع والاختلاف بين الناس حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، ويجب أن تكون حافزًا لتقدم الإنسانية وازدهارها، لا سببًا في تناحرها وانتحارها. إن الاختلاف بين الناس يجب أن يُعَالج بأن يحتكم الناس لمنطق العقل، فتمارس تلك العقلانية في تدبير الاختلاف في إطاره، وذلك لن يكون إلا بأن نعترف بحق الاختلاف، وبإمكان وروده في الحياة، وأنه يتطلب معه التحلى بالمنطق وبقيم الحوار المثمر، فإن الحوار والتواصل المثمر كقيمة إنسانية لا ينفك عن المنهج العقلى الصالح المنفتح، بل هو التجلى الأمثل والقانون المنظم لها. 
وحوار الأفكار لا حوار السلاح ينبغى أن يكون هو المبدأ الأول في تعامل الإنسان مع غيره من البشر، سواء على مستوى تعامل الفرد بغيره من الأفراد، أو تعامله مع الدولة والمجتمع، لأن هذا الحوار تعبير عملى عن القيم والأخلاق الدينية التى تؤسس لمعانى التنوع والتعارف وكرامة الإنسان المطلقة، وقيم العدل والحق والإحسان، والمودة والمحبة والرحمة، وعمارة الأرض؛ لذلك قال تعالى: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». (النحل – 125)
وكذلك ينبغى أن تكون علاقة الدولة بمواطنيها مستندة إلى القانون، وبعيدة عن محاولة قهر المواطن وسحق إرادته. إن استقراء حوادث التاريخ القريب منها والبعيد يكشف حجم الكوارث والمحن التى حلت بالبشرية حين ابتعد الإنسان عن روح التسامح والتفاهم، وغلَّب المصالح والأطماع، واحتكم للسلاح، بدلًا من الاحتكام للعقل والمنطق.

لقد أدركت بعض الأمم والشعوب هذه الحقيقة؛ حقيقة إن النزاعات والصراعات والحروب المسلحة هى علة الخراب والدمار، والبؤس والشقاء الذى حاق بالبشرية، وربما يؤدى استمرارها إلى دمار البشرية وفنائها. من أجل ذلك سعت كثير من دول العالم- رغم ما كان بينها من نزاعات وحروب أزلية- إلى تشكيل كيانات دولية كبرى؛ لحفظ السلم والأمن العالميين، مثل «الأمم المتحدة»، وقبلها «عصبة الأمم»، فإن فكرة السلم فكرة قديمة، اتجه إليها حكماء العصور الغابرة، وحمل لواءها الفلاسفة الرواقيون منذ القرن الثالث قبل الميلاد، حين أهابوا بالإنسانية أن تحرر نفسها مما يفرق بين الإنسان وأخيه الإنسان من فروق اللغات والأديان والأوطان، ونظروا إلى الناس جميعًا وكأنهم أسرة واحدة، قانونها العقل، ودستورها الأخلاق. وإلى هذه الفكرة أيضًا دعا الفارابي فيلسوف الإسلام، في كتابه «آراء أهل المدينة الفاضلة» منذ القرن العاشر الميلادى. غير أن الفيلسوف الألمانى «كانط» كان أكثر الفلاسفة عنايةً بمسألة السلام، وهو واضع المصطلح الألمانى Voikerbund الذى أُطْلِقَ بعد وفاته بنحو قرن وربع على «عصبة الأمم»، وله كتيب مشهور نشره سنة 1795 بعنوان: «مشروع للسلام الدائم» أعلن فيه أن إنشاء «حلف بين الشعوب» هو السبيل الأمثل للقضاء على شرور الحروب وويلاتها. (د. عثمان أمين، مقدمة ترجمته لكتاب «كانط»، مشروع للسلام الدائم، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1966، ص 7.)

وهذا الكتيب «مشروع للسلام الدائم» الذى ترجمه إلى العربية الدكتور عثمان أمين، وثيق الصلة بمختلف مؤلفات «كانط»، وسوف نفرد له مقالًا قادمًا – بإذن الله- نتناول فيه ما ورد بالكتاب بالعرض والتحليل.