.. تابعنا انتخابات الرئاسة الأمريكية باهتمام بالغ، كان لدينا شغف كبير لمعرفة من الفائز الذى سيسكن البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة، كُنا نترقب مصير المنافسة القوية بين الحزبين الديموقراطى والجمهورى، ظللنا لساعات طويلة نحسِب عدد الأصوات التى فاز بها (دونالد ترامب وجو بايدن)، تعرفنا على الولايات التى صوتت لـ"ترامب"، وتعرفنا على الولايات التى صوتت لـ "بايدن"، تعرفنا على الولايات صاحبة أعلى الأصوات فى المجمع الانتخابى، وهى فلوريدا وكاليفورينا وتكساس ونيويورك وإلينوى، تعرفنا على الولايات المتأرجحة فى التصويت للديموقراطيين أو الجمهوريين، وهى بنسلفانيا وميتشجن ونورث كارولينا وويسكونسن، تحمسنا لرؤية معركة انتخابية طاحنة فى بلد تمثال الحرية، شاهدنا تغطية الإعلام الأمريكى للانتخابات الرئاسية وتعرفنا على اتجاهاته وظهرت لنا قوته فى التأثير على الناخبين الأمريكيين.
.. جلسنا لساعات نتناقش مع زملائنا وأصدقائنا وأقاربنا حول ما شاهدناه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وانتهينا إلى عدد من الأسئلة المهمة التى تتردد على ألسنتنا وألسنة جموع المصريين: من الأصلح بالنسبة لنا كمصريين؟ أيهما مُفيد للمصريين؟ من الذى نتمنى وجوده فى البيت الأبيض؟ هل استمرار "ترامب" فى صالحنا؟ وهل مجيء "بايدن" فى صالحنا؟ هل الجمهوريون لديهم علاقات وثيقة مع مصر؟ وهل الديمقراطيون يصُعب التعامل معهم؟
.. لكن فى النهاية كان السؤال: "ترامب" أم "بايدن"؟ السؤال يبدو منطقيا فى ظل ما تشهده الساحة السياسية الأمريكية من سخونة وتوترات ومنافسات، ظللنا نُفكر ونضرب أخماسا فى أسداس لكي نُجيب عن السؤال، اعتقدنا أننا أمام سؤال مُعقّد، لكن بعد أن استعدنا هدوءنا، وفكرنا تفكيرا عميقا، وحسبنا مواطن قُوتنا، وحددنا مصالحنا وأهدافنا، وجدنا أنه لا يفرِق معنا لا "ترامب" ولا "بايدن"، لا يهمنا وجود رئيس ديموقراطى فى البيت الأبيض، ولا يهمنا وجود رئيس جمهورى يحكم أمريكا، لأن مصالحنا نعرفها جيدًا ونعمل على حمايتها بغض النظر عن الرئيس الأمريكى المنتظر، أمننا القومى معروف، وسياستنا كما هي لا تتغير بوجود رئيس أمريكى ديموقراطى أو جمهورى، ثورة ٣٠ يونيو العظيمة قامت فى مصر فى وجود الرئيس الأمريكى الديموقراطى "باراك أوباما"، وقتها إرادة الشعب المصرى تحققت ولم يمسها أحد بسوء فى الداخل والخارج.
.. إذن لا خوف من الديموقراطيين الأمريكيين ولا خلاف معهم، وبنفس المعيار نتعامل مع الجمهوريين، لأن "مصر" دولة كبيرة فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وأفريقيا، دولة تحكمها مؤسسات وطنية قوية عاقلة مُتزنة تعرف جيدًا السبيل نحو حماية مصالحها، دولة لها ثقل دولى ومكانة إقليمية وقيمة عالمية ولا يمكن إغفال دورها فى المنطقة، دولة كبيرة بشعبها الواعي والذى يعتبر حائط الصد الأول لأي محاولات خبيثة لإحداث انقسام وفتن، دولة شعبها ثابت على مواقفه الوطنية من رفض الإخوان وأفكارهم المُعادية للدين وللوطن، دولة يسكنها شعب ينبذ الإرهاب والتطرف.
.. ثابتون على مواقفنا، لأننا واثقون فى أنفسنا، فعلاقتنا بدول العالم عنوانها الإحترام المتبادل، مؤثرون فى "جامعة الدول العربية"، كلمتنا مسموعة فى "الاتحاد الأفريقى"، "الاتحاد الأوروبى" يُقدِر دورنا، "روسيا" تعلم حجم تأثيرنا، "الأمريكان" يعلموا أن مصر لديها رئيس جاء بإرادة شعبية وقوته نابعة من قوة شعبه، علاقاتنا وطيدة مع أشقائنا فى "الخليج" إلا (قطر) طبعًا، موقفنا من القضية الفلسطينية لم يتغير ولن يتغير، نرفض وجود ميليشيات إرهابية مُسلحة فى "ليبيا" ونفس الأمر فى "سوريا"، نرفض أي اختراق لمياهنا الإقليمية فى البحر المتوسط، نرفض أي محاولة للتعدى على حقوقنا فى مياه النيل، ونرفض أي أطماع تركية فى الثروات العربية.. هذه هي (مصر) الكبيرة التى لا يعنيها من هو رئيس أمريكا المُرتقب هل "ترامب" أم "بايدن"؟