للمرة الثالثة يتم حل مجلس إدارة اتحاد عمال مصر بواسطة وزارة القوى العاملة والهجرة، المرة الأولى بشكل واضح وصريح، أما المرتان الأخريان فكانتا بشكل ملتوٍ، وعلى الرغم من تضحيات وكفاح العمال المصريين - حيث لعبوا دوراً أساسياً في التمهيد لثورة 25 يناير، ولا نبالغ حينما نقول إن أضراب عمال المحلة كان بمثابة الشرارة الأولى لتلك الثورة - وعلى الرغم من أنه كان هناك دور بارز للعمال في التصدي للفاشية الدينية ونجاح ثورة 30 يونيو، ولكن كما سرقت ثورة الشعب المصري وتضحياته في 25 يناير عن طريق الإخوان المسلمين وحلفائهم، تمّت سرقة كفاح ونضال العمال المصريين بواسطة الانتهازية النقابية ودكاكين التمويل الأجنبي، وظهر ذلك بوضوح حينما رفضت وزارة القوى العاملة والهجرة تحديد موعد لإجراء انتخابات مجلس إدارة اتحاد عمال مصر ولجانه النقابية التي حلّ موعدها في نوفمبر 2011 بقوة القانون، استناداً إلى نص المادة 41 من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 وتعديلاته، وارتكبت جريمة بشعة تمثّلت في حل مجلس إدارة الاتحاد وجميع النقابات العمالية، وتم تشكيل لجنة لإدارته رأت وزارة القوى العاملة فيها تسليم مفاصل الاتحاد - سواء في الشؤون المالية أو الإدارية - لجماعة الإخوان المسلمين، وللأسف الشديد صاحب هذا القرار يدّعى الليبرالية والوطنية!!، والسبب الحقيقي لهذه المذبحة هو التخلص - من غير رجعة - من اتحاد عمال مصر، الذي يمثّل العقبة الأساسية التي تقف في طريق التعددية النقابية كما يزعمون، كما أنه لو تم إجراء انتخابات مجلس إدارة اتحاد عمال مصر ولجانه النقابية في ظل زخم ثورة 25 يناير لفاز المناضلون والقيادات العمالية الحقيقية القادرة على التصدي لمؤامرات الاتحاد الحرّ، الذي تهيمن عليه المخابرات المركزية الأمريكية والهستدروت الصهيوني - اتحاد العمال الإسرائيلي - الذي يسعى إلى تنفيذ مخطط التفتيت والتقسيم للحركة النقابية العمالية المصرية والعربية، وتتعهد قياداته بخلق قانون نقابات عمالية قادر على استيعاب الجميع بدلاً من هيمنة العناصر الانتهازية النقابية، والتي جعلت الاتحاد ولجانه يثورون لحزب السلطة السائدة منذ 1952 وحتى الآن، والتخلص من تبعية وإشراف وزارة القوى العاملة والهجرة، وخاصة حقّها في حلّ مجلس إدارته، كما أن وجود اتحاد عمال حقيقي ومخلص وقوي سيكون قادراً على التصدي لمحاولات اختراق الأمن القومي من خلال تلك التي تُسمّى بـ "اللجان النقابية المستقلة"، لأنها في حقيقة الأمر كيانات ورقية لا إنسانية لها في الواقع، ومجرد أداة أساسية لتلقي التمويل الأجنبي وتنفيذ الفوضى الخلاقة، وحتى لا يكون كلامنا مرسلاً ندلل على ذلك بالمادة السابعة من القانون المشبوه "الحريات النقابية" - ليست له أيّة صلة من قريب أو بعيد بأيّة حرية نقابية، والتي نجد أنها تبيح لكل خمسين عاملاً في المنشأة الواحدة تشكيل لجنة نقابية، فلو افترضنا أن عدد العاملين في المنشأة الواحدة 200 عامل، أصبح عدد اللجان النقابية داخل المنشأة الواحدة أربع لجان نقابية، ولو افترضنا أن إحدى تلك اللجان اتخذت قراراً بالإضراب عن العمل وأخرى دعت إلى الاعتصام والثالثة دعت إلى قرار مغاير لهما، فأي قرار سيتم تنفيذه؟!، وألا يؤدي ذلك إلى فوضى عمالية داخل المنشأة الواحدة والتي تضعف من قوة الموقف العمالي؟!، بل الأدهى من ذلك هو أن أحكام هذا القانون تتيح تشكيل لجان نقابية في مؤسستي الشرطة والجيش، وكذلك حق تلقّي التمويل الاجنبي!!.
والغريب في الأمر أيضاً، أن وزارة القوى العاملة والهجرة لم تنتظر حتى يتم إقرار هذا القانون ومناقشته وسط القواعد العمالية وإصداره من السلطة التشريعية، بل سارعت وأعطت الأوامر لمديريات القوى العاملة بالمحافظات لتشكيل هذه اللجان، وحل قرار وزير القوى العاملة والهجرة محل القانون الذي يصدر عن السلطة التشريعية، وهو ما يُعدّ اغتصاباً لها، وهذا يفسر حالة الفوضى التي تعم مواقع الإنتاج حالياً.
وكان لدينا أمل في تصحيح هذه الأوضاع عقب ثورة 30 يونيو، ولكن للأسف الشديد تفاقمت الأزمة وتمّ حلّ الاتحاد مرة أخرى، ولكن بطريقة "شيك" وملتوية، وذلك عبر إحداث انقلاب بغرض أساسي هو تمرير هذا القانون، وحينما فشلوا تم ترتيب تغيير آخر في قيادة الاتحاد، وذلك على أمل أن يصدر هذا القانون في صورة قرار بقانون، وعدم الانتظار حتى يتمّ تشكيل مجلس الشعب الجديد ومناقشته للقانون، وندعو سيادة المستشار الجليل عدلي منصور إلى ألاّ تتلوث يده بتوقيع هذا القانون المشبوه، أما الحجج التي يسوقونها فيمكن الرد عليها.
* حول توقيع مصر على الاتفاقيات الدولية التي تتيح التعددية النقابية.
فهذا مردود عليه بالمادة 8 من الاتفاقية الدولية رقم 87، حيث تنص على:
أ - يحترم العمال ومنظمات الأعمال - كل منهما - قانون البلد في ممارستهم حقوقهم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، وكذلك المادة 19 من دستور منظمة العمل الدولية التي تنص على أن تصديق أيّة دولة عضو على أيّة اتفاقية لا يؤدي إلى المساس بقانون أو حكم قضائي أو عرف اتفاق قائم.
والقانون الداخلي لدينا والعرف يأخذان بوحدة النبض القضائي، وهذا يفسر محاولات وزارة القوى العاملة والهجرة إصدار القانون الجديد ليحل محل القانون القديم الذي لا يبيح التعددية النقابية، كما أن عدداً من الدول الإفريقية أخذت بالتعددية النقابية وقامت بالعدول عنها، لأنها أثبتت فشلها وإشاعة الفوضى، ويؤكد ذلك أن كلاًّ من الداعمين الأساسيين للتعددية - وهما أمريكا وإسرائيل - لم تأخذا بالتعددية النقابية، ويوجد بهما اتحاد عمال واحد.
أما الكلام عن القائمة السوداء، فهذا شيء مضحك وكأننا أطفال يخوّفوننا بالقطة السوداء، فهذه القائمة بها العديد من الدول المتقدمة، كما أن الإدراج في القائمة لا تترتب عليه أيّة عقوبات، وإنما مجرد الحرمان من شغل موقع استشاري ضمن خبراء منظمة العمل الدولية، والحمد لله فإننا قد سبقت لنا الاستعانة بخبراء منظمة العمل الدولية في إعداد قانون العمل الحالي، وتم إعداد ندوات ولقاءات في فنادق خمس نجوم بالزمالك، وتم إغراق مبالغ مالية كبيرة، إلا أنه قد تمّت ولادة قانون سيئ يبيح الفصل التعسفي، وتم حرمان العمال من العديد من الحقوق المكتسبة في العلاج والإجازات، وأخذنا استشارة التخصصية والانفتاح الاقتصادي، وتم تخريب الاقتصاد المصري، وهو الأمر الذي يؤكد أننا في غنى عن استشارات منظمة العمل الدولية، حتى لا نلدغ من الجحر ذاته مرّتين.