الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السعادة: ظن السعيد.. أنه سعيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أن وجد البشر على هذه الأرض وهم يركضون وراء كل شيء يعتقدون أنه سيحقق لهم السعادة والغالبية العظمى من الناس لا يدركون أن وراء الشيء الذي يظنون أنه كفيل في حال حصوله أن يجلب لهم السعادة أن وراءه تكمن التعاسة كلها والشقاء.
يقول نيقولا حداد قد يتراءى لك أن السعادة والسرور لفظتان مترادفان لمعنى واحد.. لأنك تقول طالما أنا مسرور فأنا سعيد.
والحقيقة أن السعادة أعم من السرور، فكل سعادة هي سرور، ولا يعكس، وبينهما فرق من حيث كيفية السرور.. لا من حيث مقداره.. وقد حددهما عالم النفس "مويرهد" كما يقول نيقولا حداد في كتابه علم أدب النفس الصادر عن المكتبة العصرية في بغداد بأن السعادة هي شعور آخر يرافق الشعور بالسرور، مع ما فيه من الألم في الجهاد للحصول على السرور.. أو ما فيه من فشل السلوك في الحصول عليه بتاتا –أو ناقصا- شعور بأن المرء سلك سلوكا حسنا. فالذي تستفزه المروءة بتخليص غريق، إذا لم ينجح، فإنه يتألم لفشله، لكنه يكون سعيدا بأنه لبى داعي المروءة. نقول إذن إن السرور هو ما رافق السلوك ونتيجته، والسعادة هي استمرار الشعور بالسرور بعد انتهاء السلوك وانتهاء نتيجته.
السرور: شعور بإرضاء الرغبة، أو إرضاء أي شخص آخر.
والسعادة: شعور النفس بكليتها من غير نظر إلى الخلق، بعد الفعل الحسن تبقى شاعرا بسرور عام في ذاتيتك كلها. السعادة نتيجة السرور الأعظم الذي تتمتع به الذات.
قد يعتقد البعض أن السعادة في المال والثروة، والبعض الآخر في الصحة والسلامة، ويرى آخرون أن بمقدوره بالسلطة والنفوذ أن يعيش سعيدا. ويظن فريق آخر أن المال والثروة والسلطة والنفوذ والصحة والسلامة إذا ما اجتمعوا جميعا فلن يكون هناك من هو أسعد من حائزهم. لكن علم النفس له رأي آخر إذ يرى أن السعادة تتمثل في كيفية عيش الإنسان حياة مُرضية يحقق فيها ما يريد من أحلامه وطموحاته التي تتوافق مع قدراته وإمكانياته ويكون بها راضيا عن نفسه وعن من حوله. وقسم علم النفس مصادر السعادة إلى قسمين: القسم الأول شخصية، والقسم الثاني اجتماعية. وتتركز السعادة الشخصية في الصحة، والنجاح وتحقيق الذات، والثقة بالنفس. أما السعادة الاجتماعية فمصادرها هي: الجو الأسري، علاقات الصداقة القوية، وجود أنشطة لتمضية أوقات الفراغ.
لم يكن علماء النفس وحدهم الذين حاولوا وضع مفهوم للسعادة وتفسير أحوال السعداء، هناك أيضا الفلاسفة والمفكرون والأدباء في الشرق والغرب الذين تناولوا هذه المسألة التي انشغلت بها البشرية منذ أن وجدت وإلى أن تفنى.
لكن تُرى من هو السعيد في عصرنا هذا أو حتى في عصور من قبلنا؟
هل هو الذي قال عنه أحمد لطفي السيد: السعيد هو من يعرف أن يرضى بحاله، فليست السعادة هي الثروة ولا الاستمتاع بها، وليست هي الجاه ولا آثاره، وليست هي الحب ولا لذاته، وليست هي العلم ولا نوره ولا منافعه، وليست هي الجهل ولا جموده ولا جرائره، وليست هي النباهة ولا كبرياؤها، وليست هي الخمول ولا انزواؤه وتعطيله، وليست هي الحكم ولا في نظام الاستبداد ولا قدرته، وليست هي الجمال ولا شفاعته، وليست هي الظرف ولا خفته، وبعد أن تكون هي العقل وحسابه، إن لم تكن هي الخيال وأوهامه.
ليست السعادة شيئا من ذلك، ولا هي كل ذلك.. بل السعادة: ظن السعيد.. أنه سعيد.