حكاية "لازم أعيش" أحدث الحكايات في مسلسل "إلا أنا" المعروضة حاليا على قناة "دي إم سي" شهدت تفاعلا واسعا من الجمهور خلال الساعات الماضية وتصدرت محرك البحث جوجل، وموقع "يوتيوب" بعد مواجهة بين نور "جميلة عوض" وحبيبها حاتم " أحمد خالد صالح" عندما اكتشف أنها مصابة بمرض البهاق ولم يستطع أن يتقبل ذلك فقرر الابتعاد عنها؛ وتستيقظ نور من أوهامها وتتأكد أن الواقع يكذَبُ الأحلام وتصرخ في أعماقها: "لازم أعيش"! ولم تختلف صدمة نور من حبيبها حاتم عندما كبرت عن صدمتها عندما كانت طفلة صغيرة، حيث نشاهد تلك الندوب المؤلمة التي تسترجعها وهي تتذكر ما وقع معها في الماضي عندما كانت عائلتها تجبرها على الذهاب إلى المدرسة ولكنها ترفض تمامًا بسبب التنمر الذي تتعرض له يوميًا من أصدقائها.
وأهمية المسلسل في رأيي تكمن في تلك الصدمة تحديدا ليس فقط التي تتلقاها نور وإنما التي يتلقاها معها الجمهور أيضا حيث يتعاطف معها ويصبحان في كفة واحدة ويواجهان قسوة الآخرين ونظرتهم الدونية لمريض البهاق. وهذه هي المرة الأولى التي تتصدى فيها الدراما المصرية لقضية مرضى البهاق وتنبه إلى التنمر الذي يعذبهم وقد يدفعهم إلى التقوقع والانزواء بل والفشل في حياتهم. ويُحسب للكاتب المبدع يسري الفخراني صاحب فكرة مسلسل "إلا أنا" طرح هذه القضية بشجاعة في حين قد يتردد غيره من الكتاب في خوض غمار هذه المغامرة تحسبا من ردود فعل الجمهور الذي يفضل تقليديا أن تكون البطلة في العمل الدرامي ذات جمال أخاذ. وقد أجادت نجلاء الحديني ترجمة تلك المشاعر والواقع المؤلم على الورق فأبدعت في كتابتها للأدوار كما أبدعت مريم أحمدي في إخراج الحلقات.
وحكاية "إلا أنا" هي الحكاية السادسة في مسلسل "لازم أعيش" حيث سبق عرض 5 حكايات أخرى وتتكون كل حكاية مستقلة من عشر حلقات فقط بأبطال مختلفين، وهي: "بنات موسى" بطولة وفاء عامر و"سنين وعدت" بطولة أروى جودة، و"أمل حياتي" بطولة حنان مطاوع، و"أمر شخصي" بطولة شيري عادل، و"ضي القمر" بطولة كندة علوش، مع إضافة حكاية سابعة بعنوان "ربع قيراط" بطولة ريهام عبدالغفور، جاري استكمال تصويرها.
وتأتي هذه الحكاية في سياق محلي وعالمي يتميز بزيادة الانفتاح على هؤلاء المرضى والتوعية بمشكلاتهم وتشجيعهم على التواصل مع المجتمع من جهة وتقبل المجتمع لهم من جهة أخرى. ويعد 25 يونيو هو اليوم العالمي للاحتفال بالبهاق وقد أقيم أول احتفال عالمي به عام 2011 وأصبح منذ ذلك الحين حدثًا عالميًا سنويًا. وأطلقت العديد من الحملات من طرف منظمات المجتمع المدني لجلب انتباه الناس وأنظمة الرعاية الصحية وشركات الأدوية لهذا المرض "المنسي" وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الذين يعانون من البهاق وقد توسع الهدف على مر السنوات الماضية من زيادة الوعي بمرض البهاق ليشمل التعرف على التنمر والإهمال الاجتماعي والصدمات النفسية والإعاقة التي يسببها لملايين الأشخاص المصابين بهذا المرض. وتسلط حملات التوعية الضوء على العديد من قصص النجاح لمشاهير مصابون بالبهاق في مجالات عديدة منهم سياسيون وفنانون ورياضيون ورجال أعمال وإعلاميون في كل بلد تقريبًا. وأبدى هؤلاء المشاهير شجاعة في الظهور أمام الناس وكيف أن البهاق لا يجب أن يعيق آمالهم وأحلامهم نذكر من بينهم نجم بوليوود أميتاب باتشان.
ومن حسن الحظ أني أتابع منذ فترة على موقع انستجرام للصور طفلة ملهمة تدعى شاين تايلور تبلغ من العمر 12 عامًا، تعاني من مرض البهاق، ولديها عشرات الآلاف من المتابعين، حيث تسعى لرفع الوعي حول البهاق من خلال رسائل حب الذات والآخرين بقطع النظر عن شكلهم. وتقول شاين -ومعناها تلمع- في إحدى التدوينات: "أردت أن أجعل الناس أكثر انفتاحًا وسعادة تجاه أنفسهم. لست مضطرًا للاختباء إذا كنت تبدو مختلفًا!" وأطلقت شاين حملة للتوعية على مواقع التواصل الاجتماعي يتصدرها هاشتاج: #تقبل_جلدك_كماهو
#lovetheskinyouarein
وعرض مسلسل مصري بطلته تعاني من البهاق هو فرصة للتعرف على هذا المرض. فماهو البهاق؟ هوهجوم من قبل الجهاز المناعي على خلايا الجلد التي تحمل صبغة الميلانين وينتج عنه بقع على الجلد (فقدان التصبغ). ويصيب البهاق 1٪ من سكان العالم أي ما يعادل 77 مليون شخص ويتأثر بين 15 إلى 25 % من الأشخاص المصابين بالبهاق بأحد اضطرابات المناعة الذاتية الأخرى، خاصة مرض الغدة الدرقية، أو التهاب المفاصل الروماتويدي، أو مرض السكري من النوع الأول، أو الصدفية، أو فقر الدم أو الذئبة الحمراء. وقد يصيب الناس من أي عرق وفي أي عمر، لكن ذروة ظهوره هي أواخر سن المراهقة أي العشرينيات. وعادة ما يصيب البهاق الوجه والرقبة وفروة الرأس والأصابع وحول فتحات الجسم مثل الفم والأعضاء التناسلية والشفاه.
ولا يؤثر البهاق على الصحة العامة أو الأداء البدني في حالة غياب أمراض المناعة الذاتية الأخرى. ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن المظهر هي أكثر قضية مقلقة للمتضررين، خاصة وأن عادة التحديق غير المرغوب فيه للجمهور الفضولي يسبب الإحراج للمرضى ويؤثر بشكل كبير على حياتهم الاجتماعية والعملية وقد يؤدي بهم للتقوقع ..أو كما تقول الطفلة شاين "إنهم يخافون من مواجهة العالم بلونين للجلد.. ويخشون من رفضهم والحكم عليهم فيودعون الخروج إلى الناس ويتفادون الصنادل والسراويل القصيرة ويتناسون السباحة ويبتعدون عن الرياضة".
وغالبًا ما يتضمن تصور الناس للبهاق الكثير من الأسئلة ، معظمها من البالغين الذين يريدون معرفة "ما هو الخطأ في بشرة أو جلد المصابين به". وأهم المعلومات التي تجيب على تلك التساؤلات هي أن البهاق ليس معدِ وأن الناس مثلا لا ينبغي أن يتركوا حمام السباحة عندما ينزل المصابون بالبهاق. كما أن المرض غير مؤلم ولا يسبب حكة وأنه مثله مثل الجلد الطبيعي تمامًا، فقط بلون مختلف. ويُعالج البهاق بمجموعة أدوية لكن الجزء الأكثر أهمية في العلاج هو الحماية من أشعة الشمس، حيث يمكن أن يحترق الجلد المصاب بفقدان الصبغة بسهولة.
وفي مصر، لدينا قصص ملهمة نستطيع الاستناد عليها لنشر المزيد من التوعية تجاه مرض البهاق حتى نتفادى مثل تلك الردود الصادمة التي شاهدناها في مسلسل "إلا أنا..لازم أعيش". ولجين صلاح الدين واحدة من قصص النجاح وهي من مشاهير "السوشيال ميديا" وتم اختيارها وجهاً إعلامياً للكثير من العلامات التجارية. بدأت رحلة لجين مع مرض البهاق عندما كان عمرها 8 سنوات فقط وخاضت معركة طويلة، وكانت في البداية تفضل الهروب وعدم مواجهة الآخرين، واضطرت إلى التخلي عن ممارسة الألعاب الرياضية المفضلة لديها حتى لا يلاحظ أحد إصابتها بالمرض. وقررت لجين ترك مجال عملها في أحد البنوك، والسفر لأمريكا لدراسة ما تحب ، وهو عالم التجميل والماكياج، وهناك استطاعت استغلال موهبتها في إخفاء معالم البهاق التي كانت قد بدأت في الظهور على وجهها. لكنها سرعان ما أدركت أن المكياج ليس هو الحل، ولكن العلاج الحقيقي يكمن في أن تتقبل شكلها، وتتصالح مع نفسها. وحققت نجاحا باهرا في كونها أصبحت مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي مما جعل الشركات تختارها للدعاية لعلاماتها. كما أنها أصبحت مراسلة لقناة أبو ظبي. وتستعد للقيام بحملات لنشر الوعي بالمرض ودعم كل الأطفال المصابين به. وتوجه لجين رسائل من خلال صفحاتها داعية مصابي البهاق إلى الثقة بالنفس قائلة: "نحن من نمنح الجمال لمظهرنا الخارجي بفضل جمالنا الداخلي وتصالحنا مع أنفسنا واقتناعنا بأننا بخير".
olfa@aucegypt.edu