جريمة "إبراهيم العويساوي" الإرهابي التونسي التي ارتكبها في مدينة نيس الفرنسية الخميس الماضي، بقطع رأس امرأة وطعن اثنين آخرين، وإصابة ثالث، وضع الكثيرين ممن كان لهم موقف مسبق من فرنسا في مأزق.
وتسبب في تغيير التوجهات 180 درجة، فالجريمة كشفت الكثير من الأمور التي بحاجة إلى مواجهة لخطر الإرهاب، الذي يتسبب في حالة تشويه للإسلام والمسلمين.
ويصبح السؤال الأهم: هل المأزق عندنا أم في الغرب؟!.. القضية مهمة جدًا، ويجب معالجتها من جذورها، فنحن نطالب من يعيش في بلادنا من الغرب، احترام عاداتنا وثقافتنا، وقيمنا، وأخلاقياتنا، وربما عاداتنا وتقاليدنا، ونغضب من يكسر هذه المبادئ، ويخرج عليها، ونعتبرها استهزاء وسخرية.
في المقابل من يزور الدول الأجنبية، مطالب هو الآخر أن يتعايش مع قيم وعادات هذه المجتمعات، بكل ما فيها، فهي دول لها أفكار وثقافات تختلف كليا عن ثقافاتنا، وأمورنا الاجتماعية، وأي سخرية أو رفض لها، أو احتجاج عليها يعتبر تعارضًا مع ما نطالب به أهل الغرب الذين يعيشون بيننا.
أنا أتحدث هنا بشكل محدد عن القضايا الاجتماعية والثقافية والأخلاقيات العامة، والقيم، بينما عندما نتحدث عن الأديان فهو أمر مفروغ منه، فحرية العقيدة، أقرها الدين الإسلامي "لكم دينكم ولي دين" والله سبحانه وتعالى، هو الذي سيحاسب البشر على معتقداتهم.
وأعتقد أن المهمة ثقيلة جدا على الجميع، في مواجهة خطر، ليس وليد اللحظة بل هو نتاج تراكم سنوات طويلة، من الإهمال، وترك فروع التطرف أن تتجزر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مع ملاحظة أن مرتكب العملية الإرهابية الأولى في باريس هو مهاجر أو لاجئ شيشاني "أي بلد مسلم"، والثاني هو تونسي مسلم.
وحسب المعلومات المتداولة بشأن مرتكبي الحادثين الإرهابيين، هما من مجتمعات فقيرة، وظروف اقتصادية صعبة، وأن تلك الظروف استغلها دعاة التطرف، وتلقفوا هؤلاء الشباب، ليصبحوا قنابل إرهاب، تنفجر في أي لحظة وليس مُهمًّا في أي مكان، فالجريمة كان يمكن أن تكون بين بشر آمنين في الشيشان، أو في تونس، أو في فرنسا كما حدثت.
ولا شك أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية منفذ خطير لتربية إرهابيين، باستغلال أوضاعهم المختلفة، وضعفهم، وربما فراغهم الفكري والثقافي، والتي تصل إلى حالة فراغ ديني، ليربوا أجيالا مصنوعة على تبني الفكر الإرهابي، ومن هنا تأتي أهمية المواجهة الشاملة مع تعاون دولي أوسع.
وصناعة الإرهاب أصبحت قضية عابرة للحدود، وليست حكرًا على بلد معين، أو دول محددة، بل أضحت صناعة وراءها دول ومنظمات، تمتلك المال ودعاة الفكر المتطرف، ومن هنا كان وما زالت هناك دعوات ومطالبات بأن تكون هناك مواجهة عالمية لهذه الظاهرة، سواء كانت قادمة من الغرب أو الشرق. وفي نفس الوقت من المهم جدًا أن يكون التعاون يمتد إلى مواجهة كل ما يؤدي إلى تعميم الاتهامات، وتحميل أحداث الإرهاب شرقا وغربا أكثر مما تحتمل.
أعتقد أن ما أثير من جدل في الأيام الأخيرة يحتاج إلى حوار بين العقلاء، لتطوير المفاهيم بين كل الأديان، لترسيخ حقوق الآخر، بين الجميع، وترسيخ مبدأ الحريات مع مراعاة حقوق الآخرين، وثقافاتهم، والتعاون في مواجهة الآخر الإرهابي الذي يهدد الجميع أيا كان نوع هذا الإرهاب، ومن أي طرف.
دعونا نتفق لكي نعيش في عالم بعيد عن إذكاء روح الإرهاب والكراهية بين البشر، لا نتبع أعمالاً من شأنها تكون عاملا مساعدا لتشجيع أعمال العنف والإرهاب وأفكار الإرهابيين الذين يستغلون كل شيء من أجل توسيع نشر الإرهاب والكراهية في المجتمعات، والتي تصل لإحلال دم "الآخر".
ودعونا التأكيد أيضًا على أن الأديان السماوية، بريئة من أعمال العنف والإرهاب، فالأديان والرسل والأنبياء هم دعاة للحق والتسامح، والمحبة والسلام، وحماية حقوق الإنسان، والحفاظ على حقوق البشر، وحقوق المختلف معهم في العقيدة والدين.
ويبقى التأكيد على أن كل من يرتكب أعمالا إرهابية ويروع الآمنين، أو يرتكب حماقات من أي نوع ضد ثقافات ومعتقدات البشرية هو يمثل نفسه فقط، ولا يمثل مجتمعه، ودينه، ووطنه، ولا نحاسب المجموع على أخطاء الأفراد، وننطلق من فكرة المواجهة الجماعية للخطر، في مراحله الأولى، حتى لا ندخل في مرحلة صراعات مجتمعات، وأوطان.