لماذا هم ولماذا لا أكون أنا في هذه الظروف (يتساءل عالم الاجتماع جان زيغلر السويسرى المولد والجنسية) هؤلاء الذين يقتلون بعشرات الملايين كل عام هم ضحايا ما أطلق عليه بابوف القوانين الفظة ولا يفصلنى عن هؤلاء سوى صدفة ميلادي.
يقول الدكتور محمد عادل زكي، حسبما نقلت عنه السيدة هيفاء أحمد الجندي:
لماذا ولدت في أوروبا؟ ولماذا أنا أبيض اللون وجيد التغذية وأحصل على حقوقى وتنتظرنى حياة حرة ومستقلة وأتمتع بالحماية من التعذيب؟
لماذا أعيش أنا في هذه الظروف وليس عامل المنجم في كولومبيا ذا البطن الممتلئ بالديدان أو المرأة البنغالية الذى شوه الحامض وجهها؟
سوف يلقى ستة وثلاثون مليون شخص حتفهم بسبب الآلام المبرحة أو الجوع أو نتيجة تداعيات بعض الأمراض ونقص الأدوية كما ستدمر المياه الملوثة تسعة ملايين طفل وسوف يحول المسكن غير الصحى والفئران واليأس والقذارة ملايين الأمهات جحيما وسوف تقضى البطالة الدائمة والخوف من المستقبل على كرامة مئات الآلاف من الآباء.
لماذا هم ولماذا لا أكون أنا في هذه الظروف (يتساءل عالم الاجتماع جان زيغلر السويسرى المولد والجنسية) هؤلاء الذين يقتلون بعشرات الملايين كل عام هم ضحايا ما أطلق عليه بابوف القوانين الفظة ولا يفصلنى عن هؤلاء سوى صدفة ميلادي.
وتعتبر المهمة الأولى لرجل الفكر هى نشر المعلومة وتوضيح ممارسات السادة فمصاصو الدماء يخشون ضوء النهار كما يخشون الطاعون..
ان الحرب من أجل العدالة الاجتماعية الكونية قادمة لا محالة...
ورغم ذلك تسكننى قناعة بأن المعارك القادمة ستكون صدى لنداء بابوف والذى أعدم في السابع والعشرين من مايو ١٧٩٧..
فلتندلع المعركة من أجل المساواة والعدالة وليقلب الشعب كل المؤسسات الهمجية القديمة ولتكف حرب الغنى على الفقير.
نعم أنا أكرر لقد بلغ الشر مداه حتى أن زيادته لم تعد ممكنة ولا يمكن إصلاح هذا الشر إلا بقلب النظام الرأسمالى المجرم المتوحش والقاتل...
ما الحياة؟ وما الهدف منها؟
ربما عالم اليوم، وحده، هو القادر على الإجابة عن هذين السؤالين! يجيب: لا أعرف! وكيف يعرف بعد أن صار عبر خمسمائة عام من الانحطاط لا يعرف سوى الهذيان؛ بعدما أصر على الانتحار الجماعي. لقد صمت فينا صوت الحياة... وغفل بداخلنا ضمير الإنسان، حتى كاد الإنسان أن ينسى أنه إنسان، بعد أن فقد عبقرية مشيته المستقيمة حين ألف السجود للطغاة؛ فزحف على بطنه من الفاقه... أو تحوَّل إلى حشرة كافكا... إن حشرة كافكا هى التجسيد الرائع لعالم يترنح إنسانه بعد أن صارت الحياة بلا معنى وبلا هدف، وبلا مشروع حضارى لمستقبل آمن.
كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها! وقد مهد له دانتى حين فصل تاريخيًا، وبمنطق أرسطو المقدس بين الحياة والدين، واختزل له ديكارت الإنسان إلى آلة مفكرة؛ المشاعر... الأحاسيس... العواطف... كلها صارت عمليات عقلية تخضع، مع التطور التقني، إلى القياس الدقيق على أحدث أجهزة بيل جيتس، ويمكن حسابها طبقًا لسعر الصرف العالمي!
كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها! وقد أعلن له نيتشه أنَّ الناس هم الَّذين أقاموا الخير والشر فابتدعوهما وما اكتشفوهما ولا أنزلا عليهم من السماء!
ابتداءً من اللامعنى واللاهدف أمسى الانسلاخ عن حضارة الإنسان حداثة، وهجر التراث الإنسانى المشترك تجديدًا، أما وحدة المعرفة الإنسانية فقد باتت خرافة! كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها! وقد همسَ له حلَّاق أشبيليه: «إن للذهب قدرة على تفتيح مدارك الإنسان».
كم هى عبارة مهذبة، مقارنة بما صاح به كولومبس في جاميكا: «الذهب شيء مدهش. مَن يملكه يملك كل شيء، مَن يملكه يملك كل ما يرغب فيه، بل بالذهب يستطيع المرء أن يدخل الأرواح إلى الجنة».
ابتداءً من اللامعنى صار الهوس العقلى مرحًا في موسيقى «الهارد روك» و«الميتال» و«التكنو» و«الفانكي»، ولقد أمسى الخواء تجريبًا، وتدمير المعنى واللون انطباعية، وإهدار الشكل والأبعاد تكعيبًا، والاختزال والتسطيح أسموه تجريدًا. ومع اللامعنى تجرعنا مر تراث الدين الوضعي... التراث الَّذى جرد النصوص الخلاقة من قوتها المتسائلة عن معنى حياتنا والهدف منها؛ لأن تجريد تلك النصوص من قوتها تلك إنما تم في نفس اللحظة الَّتى تحولت فيها من أيقونة إلى وثن... من نقطة بداية إلى خط نهاية العابر له مرتد!
ولنتقدم خطوة فكرية أبعد كى نتعرف آنيًا إلى عالمنا الحقيقي، بالتعرف إلى معالمه الأساسية الَّتى تكشف عن اتفاق جماعي... ولكن على الانتحار... إن هذا الكوكب بمن فيه يتجه مسرعًا صوب الأعماق، أعماق الانحطاط... إنها سكرة الموت؛ موت عصر وميلاد عصر. فهل من الضرورى أن نُسحق تحت عجلات حتميته؟
حقًا، هذا هو العالم الَّذى أفرزته الـ ٥٠٠ عام الماضية. إنه العالم الَّذى شرع يرنم ترانيم هلاكه على مذبح الإله الأبطش: الرأسمالية المعاصرة. بقيادة كاهن معبدها: اقتصاد السوق. وفى هستيريا جماعية أطلق خُدَّام المذبح (المرصَّع بالدولار) بخور الجنائز بعد أن تُليت عليه إصحاحات من كتاب الانحطاط في معابد «وول ستريت» وفروعها في طوكيو وبرلين ونيويورك وباريس!
ها هى الآلهة اليونانية العائدة في صيغة هندية، تعود من جديد. إله السوق. إله الرأسمالية. إله الإمبريالية، الثلاثة في واحد (أمين!)؛ إنهم في إله واحد نهم عطش إلى المزيد من دماء الشعوب الَّتى اختلطت بأوراق «النقد» في خزائن «صندوق» الموت الحامل لعرش أسياد العالم ومفسديه، محركى الفتن فيه وجلاديه. طليعة الانحطاط أمريكا وخدام معابدها!
الجات... البنك الدولي... صندوق النقد، ثلاثة عناصر في مركب عضوى واحد. سام... يسرى ببطء ويتغلغل بلا هوادة في كل خلية من خلايا اقتصاد عالمنا ولا يغادرها إلا وهى في دمائها غارقة... إنه المركب الَّذى يتجرعه زعافًا كل من آمن بعقيدة الوحدانية. وحدانية السوق الكريمة! الموزعة بالعدل! واتبع الكاهن الأعظم: اقتصاد السوق الواحد الأحد!
أزمة المديونية... أزمة الطاقة... أزمة النقد، تلك هى قرابين المذبح الدولاري، وأضحية العيد الرأسمالي، المسمى بالأزمة الدورية!
البطالة... الجوع... الفقر... الكساد..