حين تصبح صيادًا عليك أن تجيد فحص أسماكك، وإلا ستتحكم بك الأسماك وتصطادك هي. تلك هي القاعدة الأساسية التي تحكم التعامل مع الإنترنت، وفتحت هذه القاعدة في الفترة الأخيرة الباب نحو ما سماه الكثيرون "تحقيقًا مفتوح المصدر". فماهو هذا التحقيق وكيف يتعامل مع مصادره المفتوحة؟
يقوم أفراد متخصصون على كل موقع أو صفحة إلكترونية بتشكيل وتقديم مضامين مختلفة على الإنترنت، بأشكال إلكترونية مختلفة، منها النصوص وأشكال الجرافيك والانفوجرافيك والمضامين الصوتية والفيديوية، ولكل شكل من هذه الأشكال صيغ إلكترونية مختلفة تختلف معها طرق التعامل معه تعرضًا له أو تحميلًا له. تمثل كل ذلك تجربة صيد متكاملة يقوم بها المستخدم من أجل الحصول على مبتغاه الذي يجهز له وقتًا وأدوات والمزيد من الرغبة في الاكتشاف. لذا رأى بعض القائمين على الإنترنت أن هذه المواد المقدمة على الشبكة العنكبوتية تحتاج في كثير من الأحيان لأن تخضع للفحص في كافة أجزائها ليصبح متاحًا قدر الإمكان أن تعرف من وضع المضمون ومتى وكيف ولأي غرض وعائلة المضمون التكنولوجية أو حتى هويته الثقافية والاجتماعية وموقعه الجغرافي وأزمنة ظهوره وتحديثاته، بل إن هذه الأدوات التحقيقية تتيح لك أحيانًا فحص صيد لم تصطاده من بحر الإنترنت.
يُسمى بعض الصحفيين، في هذا الصدد، الصحافة التي تخضع لتحقيق مفتوح المصدر بـ "صحافة المصادر المفتوحة" وهي بإيجاز صحافة تعتمد على عدد من الأدوات المجانية المنتشرة على شبكة الإنترنت لإنجاز تحقيقات هدفها التأكد من صحة المحتوى المنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي أو لإنجاز تحقيقات استقصائية معمقة بشكل عام. وأظهرت إحدى الدراسات أنهم يعتمدون في ذلك على عدد من أدوات التحقيق، دليل AnyWho وهو دليل صفحات بيضاء يعمل على تقديم البيانات المتاحة عن شخص ما من خلال رقم هاتفه، وهو ما يقوم به موقع AllAreaCodes إلا أن هذا الموقع الأخير يتيح لك الحصول على بيانات عن أرقام غير مسجلة برسوم مالية بسيطة، أما Facebook Graph Search فيتيح لك معلومات عن أشخاص قد لا تعرف أسماءهم ولا أرقام هواتفهم لكنه يوفر معلومات عنهم ترتبط بتلك التي تعرفها أيًا كانت سواءً العنوان أو السن أو ما شابه، لا أنت تلقى له بقطع الـ Puzzle المتوفرة ليكملها هو بطريقته المبتكرة، وفي ذات الاتجاه يعمل موقع GoeSocial Footprint على توفير معلومات عن شخص ما عن طريق تسلسل دخوله في الأماكن التي يسجل الدخول بها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ومن ثم يحصد المعلومات المرتبطة بكل ذلك في تلك المواقع.
يهتم الصحفيون كثيرًا بلافتات الأبواب بأسماء أصحاب البيوت أثر من البيوت ذاتها، هكذا علمتهم مهنتهم، وهكذا تم توجيهنا منذ أول أيام دراستنا للصحافة ففي الفرقة الأولى بالجامعة، فمعرفة من يتكلم هي التي تثبت إن كان يتكلم بشيء يمكنك الاعتماد عليه أو لا في كثير من الأحيان فعليًا، لكن حين يتعلق الأمر بآخرين ستختلف أدوات التحقيق مفتوحة المصدر هنا لتشمل خدمات القمر الصناعي ورسم الخرائط وأدوات التحقق من الصور ومقاطع الفيديو ومواقع الويب لأرشفة الصفحات وأكثر من ذلك بكثير.
وتلقى أدوات التحقيق مفتوحة المصدر شيوعًا خارج منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، وبدأ الأمر كمحاولات من الإعلاميين للتحقق من الشائعات والأخبار الزائفة، ومؤخرًا صدر عن مركز الصحافة الأوروبي كتاب "دليل التحقق من صحة المحتوى الرقمي في حالات الطوارئ" للكاتب جريج سيلفرمان، الكتاب صدر بعدد من اللغات منها اللغة العربية لأهميته من وجهة نظر المركز الذي أصدره، وفي هذا الكتاب نرى للمرة الأولى عددا من الخطوات التي تتلاءم مع إمكانية تطبيق تحقيق مفتوح المصدر، ومنها خطوة التحقق من المصدر الأصلي ومن المحتوى (وذلك يتضمن الموقع الجغرافي والتاريخ والوقت التقريبي)، فكل من هذه الأشياء يتلاءم مع أداة من أدوات التحقيق التي تحدثنا عنها، وكذلك خطوة مقارنة معلومات المصدر الأصلي بمعلومات المصادر الأخرى، وهو أمر يتلاءم مع البحث عبر الإنترنت على المصادر المشابهة باستخدام أدوات التحقيق، وخطوة الحصول على الإذن من المصدر الأصلي لاستخدام المحتوى (صور، فيديو، تسجيلات صوتية) من مؤلف\ صاحب المحتوى الأصلي، وخطوة فحص العناصر الأربعة الأساسية: (الأصل: هل هذا هو الإصدار الأصلي للمحتوى؟، المصدر: من قام بتحميل المحتوى إلى الإنترنت؟، التاريخ: متى تم إنشاء المحتوى؟، الموقع: أين تم إنشاء المحتوى؟) وهذه العناصر تمكنك من إجراء تحقيق مفتوح المصدر بشكل أفضل حين تتوفر لك، إذ تلاءم حينها العمل بكل أدوات هذا التحقيق.
أصبح التحقيق مفتوح المصدر أداة حيوية، وفي بعض الصحف في الخارج يحتاج الصحفي للوصول لنتائج هذا التحقيق، بل وينفق عليه الكثير من الوقت والجهد حتى يطمئن لمصادره، وهو أمر بدأ مع مطلع القرن الحادي والعشرين واستقر واتخذ أهمية مع مطلع العقد الثاني من ذات القرن، لذا صار من الأهمية بمكان أن يأخذ مكانه في تدريس وتطبيق علوم التعامل مع الإنترنت لأنه يحمي من الكثير من المشكلات التي قد ينتج عنها نقل أخبار ومعلومات زائفة دون قصد، لكن علينا ألا نوقع الفرد في دوائر الشك والخوف بحيث ينفق على التحقيق أكثر مما ينفق على الإبداع في الوصول للمعلومة ونقلها فنفقد المعلومة الصحيحة مع الزائفة.