على الرغم من مرور 47 عامًا على انتصار مصر في حرب أكتوبر فإن الباحثين والأكاديميين الإسرائيليين يبحثون عن تداعياتها على سياستهم المستقبلية، وأضحت آثارها محفورة داخل وجدان المجتمع الإسرائيلي ممن عاصروها، وبات الخوف مما حدث فيها للإسرائيليين مرتبطًا بالهلع والخوف من تكرار نفس السيناريو، ولعل تشبيه هذا الرعب بمخاوف اجتياح "كورونا" نتج عما أحدثه الجيش المصري بالجيش الإسرائيلي، في ملحمة سطرها المصريون عبر قواتهم المسلحة، ولأن كل يوم في شهر أكتوبر له ذكرى، كشفت صحيفة معاريف عن وثيقة عقد اجتماع للجنة الخدمات العامة في الكنيست بمستشفى تل هشومير في مثل هذا اليوم 29 من أكتوبر عام 1973، جاء فيه أن إسرائيل لم تفق من صدمة الحرب؛ رغم إعلان وقف إطلاق النار.
وورد أيضًا في الوثيقة، التي لم يتم الكشف عنها بعد، والتى حصلت عليها الصحيفة من أرشيف الكنيست، أنه اجتمع رئيس الكنيست آنذاك يسرائيل يشعياهو، وأعضاء هذه اللجنة إلى جانب مدير المستشفى معترفين أنه لا يوجد عددٌ كاف من العاملين في غرف العمليات في جميع المستشفيات، وكذلك أن أعداد الجرحي والمصابين متزايدة، ولم تكن في الحسبان، وعليهم إخلاء المستشفي من المرضي المدنيين، حتى يتم معالجة الجرحي العسكريين فكان النظام الصحي وقتها الذى جلبته الحرب من ارتباك وخوف وضغط في العمل الطبي؛ حيث كانت الطواقم الطبية والعاملون فيها يعملون على مدى 12 ساعة يوميا هو نفس الحال الذى يحدث من فزع وخوف كورونا.
ولم يتوقف الأمر عن التذكير بالفزع والخوف الذي صنعه الجيش المصري للجيش الإسرائيلي وداعميه وربطه بالفزع من كورونا عند الوثيقة؛ فذهب وزير الدفاع بني جانتس في حفل تأبين قتلي حرب أكتوبر "يجب أن نعترف بصدق أننا كنا غير مستعدين للحرب، وهذه المرة في كورونا غير مستعدين أيضا، والثمن الذي ندفعه من حياة البشر سيكون ثقيل.وان حرب أكتوبر علمتنا التواضع والتضامن الاجتماعي، وألا نقلل من شأن غير المرئي".
ووصف رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين الذي شارك في الحرب انها "كانت حرب من أسوأ الحروب على إسرائيل، وتركت بصماتها على الجيش الإسرائيلي والمجتمع ككل.
وطالب بعدم التوقف عن التحقيق في جراح حرب( أكتوبر) حتى يومنا والعودة إلى دروسها: عدم الاستسلام للرضا عن الذات والغطرسة، وعدم نسيان المفاجأة، والتى قام بها الجيش المصري في الحرب وأن إسرائيل حتى اليوم في حرب وهي الحرب مع كورونا.
ولكن رغم هذه الأوصاف والكلمات التى عبر عنها قادة في إسرائيل إلا أنه من المعلوم للجميع من الطبيعي أن يزيف الباحثون والأكاديميون الإسرائيليون ورواد العمل التليفزيوني "الحقائق" في كتابتهم ومسلسلاتهم التى تعرض للأجيال التى لم تر هزيمة جيشهم الذى كان يحتل أرضا مصرية، قاتل أبناؤها لاستردادها؛ وذلك في محاولة لاستمرار فكرة أنهم قوة لا يمكن هزيمتها وأنهم رغم قسوة الحرب لم ينهزموا، وذلك في إطار رفع الروح المعنوية لهذه الأجيال ولكن في هذه المزاعم لم يستطع هولاء أن تمر أكاذيبهم بدون ذكر حقائق كما في مسلسل "ساعة الصفر " الذى يتم عرضه حاليا على قناة "كان" الإسرائيلية وكذلك الكتاب الحديث الذى صدر في الشهر الماضي للدكتور اميرام أزوف بعنوان الحسم..من انتصر في حرب يوم الغفران ؟ ويحمل طيته 415 صفحة تتضمن صورا من أرشيف الجيش الإسرائيلي وشهادات من عسكريين شاركوا في الحرب.
ووضع الكاتب اسم الحسم في محاولة للتهرب من حقيقة هزيمة الجيش الإسرائيلي أمام الجيش المصري فقد جعل أن هناك فرقا بين الحسم العسكري وبين الانتصار في معركة.
وركز في كتابه على الثغرة بقيادة آرئيل شارون وعاموس نيئمان، لكن يكفي فقط أن نقول للأجيال هناك أن يركزوا على ما ورد من حقائق في هذا الكتاب خصوصا في صفحة 17، الذى احتوى على فحوى خطاب لكولونيل عاموس نيمان، من قادة المظلات الذى أرسله لزوجته واخبرها فيها "أنه يجلس في الضفة الغربية لقناة السويس وطائرات الفنتوم تحلق فوق رؤوسهم، ونيران المدفعية وشظايها كنار جهنم الجرحى وأصوات انفجار عرباتنا يصيب بالجنون إنها حرب رهيبة يخوضها المصريون ويقاتلون فيها حتى آخر جندي. والأمر هذه المرة خطير،فنار جهنم تحيط بجنود إسرائيل وادخنتها وغبارها كحرب تهديد للوجود الإسرائيلي حرب عالمية.
وكذلك ما ورد في وصف المعركة التى خاضتها فرقة المدرعات 162 بقيادة ابراهام ايدن الذى حاول احتلال مدينة السويس بعد تعليمات من نائب قائد القيادة الجنوبية اللواء اوري بن اريه حيث قال له نريد احتلال السويس بشرط ان لا تتحول لنفس معركة ستالينجراد التى جرت في الحرب العالمية الثانية.
وأنه عندما قام بالتنفيذ وقعوا في فخ وكمين صنعه لهم الجنود المصريين حيث احاطوا بهم في الشوارع والمنازل وفاجوهم وكبدوهم خسائر ثقيلة.
ومن خلال الكتاب حاول الكاتب إنكار الهزيمة وإبراز أن السلام جاء من خلال ضغط القوي العظمي واكتفاء الرئيس السادات بحرب محدودة وعدم قدرته على هزيمة إسرائيل وتناسي خطاب السادات في الكنيست حينما قال أمام كل قادة إسرائيل الذين شاركوا في هذه الحرب والذى يبرز أن الرئيس الراحل انور السادات بطل الحرب والسلام اختار السلام من موقف قوة وليس من ضعف أو ضغط فكان المنتصر المحب للسلام وعلي كل الاسرائيليين تعليم أجيالهم الحالية حقيقة أن السلام مع العرب يأتي من موقف القوة وليس الضعف وليسمعوهم خطاب السادات في الكنيست والذى قال فيه: "وقد جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتَتَيْن،
لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم السلام..لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم
أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان، ولكنه تحطم في عام 1973.كان جدارًا من التخويف بالقوة، القادرة
على اكتساح الأمة العربية، من أقصاها إلى أقصاها.كان جدارًا يهدد دائما بالذراع الطويلة، القادرة
على الوصول إلى أي موقع وإلى أي بُعد.كان
جدارًا يحذرنا من الإبادة والفناء، إذا نحن حاولنا أن نستخدم حقّنا المشروع في تحرير
أرضنا المحتلة..وعلينا أن نعترف معًا بأن هذا الجدار، قد وقع وتحطم في عام 1973".