تمر مهنة الصحافة بحالة من اللامعيارية نظرًا لما تشهده من اضطراب معيارى نتيجة لغياب اللائحة أو المُدوّنة الأخلاقية التى تنظم العمل وعلاقاته داخل المؤسسة وعلى مستوى المهنة بشكلٍ مُحدد، فضلًا عن تصدع النظام العام وانهيار نسقه الأخلاقى وضعف الأخلاق الذاتية نسبيًا لممارسى المهنة والتغيرات العميقة والمتسارعة التى تمت ولا تزال بفعل العولمة المتشابكة اقتصاديًا وسياسيًا وإعلاميًا.
وتهتم كثير من المؤسسات والهيئات بعملية تقييم الأداء، ويمثل تقييم الأداء عن طريق المؤسسات الصحفية الشكل الرسمى المسموح به والموثوق في نتائجه إلى حد كبير، رغم تباعد الفترات التى يتم خلالها هذه العملية، ورغم عدم اقتناع بعض الصحفيين بجدوى هذه النوعية من التقييمات، في ظل سيطرة الأبعاد الشخصية والسياسية على اختيار الصحفيين وقياداتهم، وفى ظل شيوع المعايير غير الأخلاقية التى لا تلتزم بمواثيق الشرف الصحفى التى لا يهتم معظم الصحفيين بالاطلاع عليها.
ومن هذا المنطلق، يأتى الدور غير الرسمى لمواقع التواصل الاجتماعي والتى يأتى في مقدمتها موقع "فيس بوك"، من خلال الانتشار الملحوظ لبعض الصفحات التى اهتمت بتقييم أداء العاملين في الوسط الصحفى المصرى، من خلال تسليط الضوء على أبرز الأخطاء التى تمثل عدم اتباع بديهيات العمل الصحفى على أقل تقدير.
وتمثل دراسة استخدامات الصحفيين المصريين لمواقع التواصل الاجتماعي اتجاهًا بحثيًا حديثًا نسبيًا، تتناسب مع حداثة الوسيلة نفسها، وتمثل تطورًا واضحًا في تأثيرات هذه الوسيلة سواء من حيث المضمون أو الجمهور أو استخدامات القائمين بالاتصال.
ومن حيث المضمون، تتنوع المضامين المتاحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتى تتناسب مع طبيعة اهتمامات الجمهور وتنوع اختياراته، وهو أمرٌ من شأنه تسليط الضوء على دراسة هذه النوعية من المضامين.
ومن بين هذه المضامين الحديثة نسبيًا، ما تثيره هذه الدراسة التى أجرتها الزميلة العزيزة د. سهير عثمان عبد الحليم أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة ورئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة الأهرام الكندية، والتى اهتمت باستخدامات الصحفيين المصريين لصفحات تقييم الأداء المهنى على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا موقع "فيسبوك"، ورؤيتهم لحدود الاستفادة منها في تصحيح الممارسات المهنية اللامعيارية.
وقد قدمت الباحثة عرضًا تحليليًا لبعض صفحات تقييم الأداء الصحفى التى تحظى بمتابعة من عينة الدراسة الميدانية التى أجرتها، ومن بين هذه الصفحات "صفحة جرائم في الديسك"؛ حيث توجه هذه الصفحة العديد من الانتقادات لبعض المضامين المنشورة في الصحف المصرية المطبوعة والإلكترونية فيما يتعلق بالتدقيق اللغوى والأسلوبى، وتركز هذه الانتقادات على صياغة العناوين بشكلٍ أساسى، إلى جانب رصد الأخطاء الإملائية الفادحة التى يرتكبها الصحفيون العاملون في هذه الصحف.
كما ناقشت الصفحة في أكثر من مجال بعض المعايير المهنية التى يتم انتهاكها من قبل بعض الصحفيين المصريين؛ فعلى سبيل المثال، نشرت الصفحة أحد هذه الانتهاكات المتعلقة بسرقة موضوع كامل من موقع "بى بى سي" باللغة العربية عن قصة أشهر 3 بريطانيين من العصر الفيكتورى اعتنقوا الإسلام، حيث قام صحفى من أحد المواقع الإخبارية بنقل الموضوع حرفيًا ووضع اسمه عليه، دون الإشارة إلى المصدر الأصلي.
وعرضت الصفحة أيضا موضوعا نشرته بوابة إلكترونية عقب وفاة الفنان محمود الجندى عنوانه: "آخرهم محمود الجندي.. 9 فنانين ملحدين لن تتوقعهم"، وانتقدت الصفحة في هذا الموضوع زاوية المعالجة التى تميل أكثر إلى الإثارة الصحفية، والتى لا تعتمد على معلومات مؤكدة، وتستغل أيضا وفاة الفنان محمود الجندى في نشر موضوع مثير غرضه جذب الأنظار فقط، دون احترام حرمة الموتي.
وأشارت الصفحة أيضًا إلى السقطة الصحفية التى ارتكبتها مجلة رياضية في غلافها الذى ضم صورة محمود الخطيب رئيس النادى الأهلى، والذى نُقِلَ حرفيًا من مجلة "تايم" الأمريكية، حيث استبدلت المجلة صورة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بصورة الكابتن محمود الخطيب، والتى حاولت من خلالها التعبير عن غرق رئيس النادى الأهلى في مشكلات كبيرة بالنادي.
ونستكمل عرض هذه الدراسة المهمة الأسبوع المقبل بإذن الله.