هذا الأسبوع نكون قد وصلنا إلى عشرة أشهر بالتمام والكمال من عمر قانون 148 الخاص بالتأمينات والمعاشات، عشرة أشهر وحتى الآن لم تصدر اللائحة التنفيذية للقانون لكي يعرف المتضررون رأسهم من أقدامهم، عشرة أشهر في ثلاثين يوما يساوي ثلاثمائة يوم من الانتظار الموجع واللائحة التنفيذية لانعرف لها مصيرا، في كل يوم مضى من أول يناير حتى الآن طابور المتضررين يزداد طولا وألما وغضبا ويقدر بعشرات الآلاف، كيف لعامل ضاع عمره في الشقاء وعندما جاء موعد تقاعده للمعاش اختيارا أو جبرا لايجد حقوقه التي تعاقد عليها مع التأمينات قبل عشرين عاما بحجة أن القانون قد تم تغييره وأن لائحته التنفيذية لم تصدر بعد.
الضحايا الذين تقاعدوا بالفصل من العمل أو لغلق المنشأة أو لعدم القدرة على العمل أغلبهم من المرضى وأصحاب البيوت التى تضم أبناء من حق هؤلاء الأبناء الأكل والشرب والذهاب إلى المدارس ومن حق الأب أن يكون أبا حقيقيا يلبي مطالب أبنائه، الضحايا أصحاب الحق الواضح والمركز القانوني الثابت تحولوا إلى متسولين وأعتذر عن الوصف تحولوا إلى ساخطين غاضبين، كل هذا ولم تهتم الوزارة بالاستماع إليهم أو في أضعف الإيمان قراءة شكواهم بعين العدالة شكوى المتضررين منشورة على كل صفحات التواصل الاجتماعي كلها مرارة وخوف وبكاء.
كتبت أكثر من مقال عن هذه الأزمة ولن أتوقف عن الكتابة حتى يطلع علينا مسئول في هذه البلد ويجيب عن الأسئلة.. وأول سؤال هو.. هل من حق الدولة تغيير التعاقد من طرف واحد؟ إذا كانت الإجابة بنعم فلتهنأ وزارة التأمينات ومستشاروها بمدخرات الفقراء.. أما إذا كانت الإجابة بلا.. فلماذا المماطلة وتنمية الاحتقان في نفوس الناس وهم الذين ما بخلوا على بلادهم في وقت الشدة، وهنا أذكر أن ضحايا القانون هم أنفسهم الذين تطوعوا لحراسة الماكينات وبوابات المصانع وقت الانفلات الأمني.. الضحايا هم أنفسهم الذين قدموا أعمارهم لتعظيم الإنتاج في بلادنا. الضحايا هم أنفسهم الذين تسد وزيرة التأمينات بابها في وجههم ليفترشوا الأرصفة وهذا خطير يا معالي الوزيرة.. الأرصفة مكمن الشرر.. افتحي بابك أو قدمي اجابة واضحة من خلال بيان شامل.
الذين خالفوا في البناء يتصالحون مع الدولة ويتفاهمون، الذين ارتكبوا جرائم ينفذون عقوبتهم ويخرجون للحياة متصالحين، الذين لم يشتركوا اصلا في منظومة التأمينات اجتهدت مؤسسة الرئاسة ونفذت لهم مشروع تكافل وكرامة.. سكان العشوائيات انتقلوا إلى أحياء حضرية مثل الاسمرات.. قطاعات تتقدم إلا هذا الجيل المنكوب ضحايا قانون 148 حيث تغيرت أحوالهم من استقرار في عمل وراتب شهري إلى صفر في مدخلاته بل ومطالب بسداد قسط التأمينات وعلى عكس توجهات الدولة ينتقلون من التحضر إلى العشوائية بسبب ضغط الحياة.. حتى أن بعضهم طالب بوضوح الانسحاب من التأمينات وعدم رغبتهم في معاش على أن تتعهد الهيئة برد مدخراتهم التي دفعوها على مدى عمرهم الوظيفي. هذا الإحباط وهذا التخلي يجعل الحياة في نظر هؤلاء حياة صعبة ويغيب عنها معنى الوطن بمفهومه الشامل.
اقتراح آخر طالب به البعض في مرارة فادحة وهو نسيان أن عشرات الآلاف اشتركوا في التأمينات ولهم مدخرات لديها نسيان هذا وصرف تكافل وكرامة لهم.. هنا الذل بعينه يمضغه هذا الجيل.
أما اقتراحي في هذه الدراما السوداء فهو سطر واحد لا زيادة ولا نقصان طالما البرلمان والدولة متمسكين بالقانون 148 فعلى الدولة أن تعلن ما معناه أن يتم تطبيق القانون على من يبدأ اشتراكه في الاول من يناير 2020. سواء يصدر هذا السطر بقرار رئاسي أو تخرج اللائحة لتفض الاشتباك. ولكن في كل الأحوال نقول كفى تعذيبا للبشر وكفي استخفافا بحقوقهم الثابتة.
أما حكاية أن على المتضرر اللجوء للقضاء فهذه حكاية غريبة ولدى وزارة التأمينات تحديدا درس قريب، وهو درس العلاوت الخمس. فضلا عن أن القضاء لديه ما يشغله فلا ترهقوا الدولة ومرافقها الحيوية.. وانصتوا لصوت العقل والرحمة.