تحدثنا في المقالات السابقة عن تكوين الشخصية الوطنية وتأثير المؤسسات الدينية والتعليم والثقافة في تكوين هذه الشخصية.
هنا لاشك أن السياسة وفى المحصلة النهائية لكل هذه المؤسسات لها التأثير المباشر وغير المباشر على المواطن بشكل عام، فلو أردنا أن نعرف السياسة في إطار العلوم السياسية فهى: علاقة بين حاكم ومحكوم وهى السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية حيث إن السلطة السياسية تعنى القدرة على جعل المحكوم يعلم أو لا يعلم أشياء، سواء أراد أو لم يرد، وتمتاز بأنها عامة وتحتكر وسائل الإكراه كالجيش والشرطة؛ كما أنه تحظى بالشرعية. كما تُعرف السياسة أيضا بأنها (كيفية توزيع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين ). وعلى ذلك تأتى أهمية السياسة من كونها المؤثر في حياة الدول منذ نشأتها وفى الإنسان منذ ولادته وحتى وفاته، فكل مايتعلق بحياة الإنسان رئيسي أو تشرف عليه السلطة السياسية حتى أصبحت هذه السلطة في دول العالم تتدخل بجميع مجالات الحياة البعيدة كل البعد عن السياسة ومعتركاتها. فهل ينكر أحد الآن أن السلطة السياسية قد أصبحت تشرف على كل شيء حتى أصبحت القرارات العسكرية لا تتخذ من قبل القيادة العسكرية إنما تتخذ من قبل السلطة السياسية، فالسلم والحرب والمعاهدات والتسليح..إلخ تشرف عليها السلطة السياسية وتصدر فيها القرارات، وعلى ذلك ومع هذا الدور وتلك السلطة، فهناك الدستور والقانون الذى ينظم العلاقة بين هذه السلطة السياسية وبين المواطن أي ( بين الحاكم والمحكوم )، فلا سياسة ولا سلطة سياسية ولا احتكار لوسائل الإكراه (الجيش والشرطة) بغير رضا الشعب وتلاحمه مع هذه السلطة والأهم هو حصول هذه السلطة السياسية على الشرعية الجماهيرية قبل الحصول على الشرعية الدستورية والقانونية، والشرعية الجماهيرية هذه لاتكون بغير مشاركة شعبية في اتخاذ القرار، وهذه المشاركة قد حددها وأوضحها الدستور في إطار التعددية الحزبية، فلا حرية بدون تعددية ولا تعددية بدون أحزاب. هنا وحتى تقوم السياسة والسلطة السياسية بالدور المطلوب في التكوين السياسى للشخصية الوطنية والمنتمية،لا بد أن تنشط الحياة السياسية بشكل عام والحزبية بشكل خاص، ومع التقدير للمشاركة الحزبية في الترشيحات في الانتخابات البرلمانية الجارية الآن، وبهذه الصورة التى يظهر فيها المال السياسى الذى يعوق ويغلق كل الأبواب أمام المواطن المنتمى والمسيس والذى يمتلك رؤية سياسية وموقف سياسى حتى ولو كان في خانة المعارضة، حيث إن المعارضة هى جزء أصيل في تشكيل النظام السياسى، بل إن المعارضة هى الضوء الكاشف للحاكم عن مناطق الخلل ومراجعة القرارات التى لا تتوافق مع الرأى العام. ولذا لا بد من إعادة صياغة الحياة الحزبية بطريقة سياسية حقيقية بعيدًا عن المظهرية والشعاراتية. لا بد من فتح أبواب التعبير عن الرأى الآخر وفى إطار القانون، فعدم التعبير عن الرأى يتحول هذا الرأى إلى أعمال تحت الأرض تتناقض مع القانون وتندد سلامة الوطن والمواطن. خاصة أن هناك من قوى الشر المتربصين بالوطن والمنتهزين الفرص للاختراق بجد وأكاذيب لاعلاقة لها بالواقع، فالمشاركة السياسية في اتخاذ القرار لا تقتصر فقط على العملية الانتخابية في اختيار النائب الذى يعبر عن القاعدة ( هذا إذا عبر بالفعل). ولكن المشاركة تبدأ في المدرسة والمسجد والكنيسة والنادى..إلخ من خلال المشاركات المجتمعية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وذلك عن طريق الندوات والمحاضرات والحوارات ودور وسائل الإعلام في عملية التثقيف السياسى، ذلك التثقيف الذى يخلق روح التعاون والمشاركة ويؤسس للانتماء الحقيقى للوطن. فلا انتماء حقيقى بدون مشاركة في اتخاذ القرار بالوسائل والأساليب المتعددة، ولا نتائج إيجابية ولا تحقيق مواطنة فعلية وحقيقية على أرض الواقع بدون هذه المشاركة التى تخلق وتؤسس للحياة السياسية الحقيقية. حمى الله مصر وشعبها العظيم.