ما حدث في مجلس الشيوخ أثناء جلسة حلف اليمين واختيار هيئة المكتب يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هناك لتجاهًا واضحًا نحو توسعة المشاركة الحزبية في الحياة السياسية، وأننا بصدد الدخول في مرحلة جديدة عقب مرحلة تثبيت الدولة التى قادها باقتدار الرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ لا يخفى على أحد أن الدولة المصرية تعرضت لهزة كبرى وخلخلة كادت تعصف بها منذ أحداث يناير 2011، ولا أظن أن مصر قد واجهت مثل هذا التحدى على مدى تاريخها الحديث إلا هذه المرة، فلقد كانت معركة وجود لاسيما بعد اختطاف الدولة باسم الديمقراطية على أيدى مجموعة من الإرهابيين القتلة، وأعتقد أن البريد الإلكتروني للسيدة هيلارى كلينتون وما يحويه من رسائل خطيرة تم تسريبها مؤخرًا بعدما قام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالهجوم على كلينتون في واحد من خطاباته الجماهيرية واتهامه لها صراحة بتدبير أحداث الربيع العربى ومحاولة تخريب الوطن العربى بغرض مساندة الجماعات المتطرفة للوثوب على السلطة باعتبار هذه الجماعة موالية ومصنوعة بيد الأجهزة المخابراتية الأمريكية وبتخطيط من الحزب الديمقراطى الذى يعمل جاهدًا على تصدير أفكاره إلى العالم، بينما ينصب اهتمام الحزب الجمهورى على القضايا الوطنية الأمريكية، ولم تمر ساعات قليلة على خطاب ترامب حتى فوجئ العالم بالبريد الإلكتروني لهيلارى كلينتون وقد تم اختراقه ونشر أكثر من خمس وثلاثين ألف رسالة، كلها تؤكد صحة اتهامات ترامب، وصحة ما كان يردده عقلاء الوطن آنذاك، فثمة مؤامرة دبرت بليل وعلى مدى عدة سنوات، حيث تم تجهيز بعض الشباب وتدريبهم على طرق التظاهر وكيفية الإقناع ومجابهة قوات الأمن وصولًا إلى إسقاط النظام، هذا الشعار الذى تعلموه في معسكرات تدريب في صربيا،ثم تردد في تونس ثم تناقلته الألسن في مصر وليبيا وسوريا واليمن،بنفس الطريقة ونفس الأداء،الشعب يريد إسقاط النظام،ومعناه أن الشعب يريد الفوضى، وهكذا فإن الدولة المصرية كانت تواجه معركة وجود وذلك في ظل حوادث غير معهودة في مصر منذ قرون، كالاقتتال في الشوارع وغلق أبواب المحاكم بالجنازير ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى وبناء حمامات أمامها وحرق المنشآت العامة كالمجمع العلمى وقتل العشرات في ستاد بورسعيد الرياضى وأمام مجلس الوزراء ومنع قضاة المحكمة الدستورية من الوصول إليها، فضلًا عن المليونيات التى كانت تنظم كل جمعة لإسقاط هيبة الدولة وفرض رأي التيارات المتأسلمة على كافة الآراء الأخرى، حتى جاءت السنة السوداء التى حكمتنا فيها جماعة رفعت السيف شعارًا لها وجعلته بإذن من القرآن الكريم، أي لا اعتراض ولا مناقشة، بل هو السمع والطاعة، ثم زاد الطين بلة بإعلان دستورى يجعل قرارات رئيس الجمهورية مقدسة لا يمكن الطعن عليها، وهنا بدأ الشعب المصرى ينتفض ويعترض ويعلن تمرده حتى جاءت اللحظة الحاسمة في الثلاثين من يونيو 2013 حين خرج أكثر من ثلاثين مليونًا يطالبون الجماعة ورئيسها بالرحيل ويكلفون الجيش بالتدخل لحمايتهم وحماية الدولة المصرية من الانهيار، وهذا ما حدث خلال السنوات الست الماضية،إذ تم تثبت الدولة بعد حالة السيولة التى كانت عليها، ولا شك أن هذه المرحلة كانت تتطلب الكثير من الإجراءات الأمنية وكانت تتطلب أيضًا الشدة وإظهار هيبة الدولة ومؤسساتها لكننا يجب ألا ننسى أبدًا أن القيادة السياسية حين كانت مشغولة بتثبيت الدولة لم تغض النظر عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها الشعب المصرى،فراحت تبنى وتعمر وتخطط وفى نفس الوقت تحارب الإرهاب وتعيد تثبيت الدولة المصرية ولما تحقق ذلك كان ولابد من النظر إلى الإصلاحات السياسية وأولى الخطوات في رأيى هو ما تم في مجلس الشيوخ حيث إنتُخب المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيسًا للمجلس وانتخب المستشار بهاء الدين أبو شقة وكيلًا للمجلس وهو في ذات الوقت رئيس حزب الوفد العريق وأيضًا انتخبت فيبى فوزى جرجس وكيلًا للمجلس وهى تنتمى إلى حزب الشعب الجمهورى فضلًا عن كونها امرأة وقبطية، ودلالة الاختيار تؤكد أن هناك اتجاهًا لتشجيع العمل الحزبى في مصر وتوسيع المشاركة وعدم اقتصار العمل السياسى على حزب بعينه، وبهذا فقد تم إلقاء الكرة في ملعب الأحزاب التى يجب أن يكون لها تواجد في الشارع المصرى ودور تنموي فاعل، وأن تقوم بدورها تجاه المواطن لتصبح أحزابا حقيقية ذات شعبية كبيرة تضمن لها التمثيل في الاستحقاقات المقبلة.
آراء حرة
مجلس الشيوخ والمشاركة الحزبية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق