الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشخصية الوطنية والثقافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقول جرامشى «المثقف ليست خصائصه الجوهرية لنشاطه الذهنى فحسب، بل بالوظيفة الاجتماعية التى يؤديها المثقف لمجتمعه»، أى أن المثقف هو الذى يقوم بدور فعلى وعملى فى مجتمعه الصغير والكبير بهدف التغيير للأحسن، كما أن تعريف الثقافة اتسعت بحوره وتعددت أركانه حتى إن هناك عشرات التعريفات لمفهوم الثقافة، وذلك لأن الثقافة لا تعنى وفقط الاستزادة المعلوماتية والمعرفية أو إجادة الحديث أو امتلاك ناصية اللغة، ولكن الثقافة هى كل هذا، إضافة إلى النهج السلوكى والعاداتى للبشر، هى طريقة المأكل والملبس والتعامل والالتزام بالقانون وقبول الآخر واحترام قيمة العمل.. إلخ. وهذا يعنى أن الثقافة بمفهومها الواسع هى إعداد وتكوين الشخصية المصرية والوطنية المُهيئة والمُعدة لأن تكون شخصية تعى ذلك وتلتزم بذلك التزامًا نابعًا من قناعة وإيمان بأن هذا الإلزام وتلك القناعة ستكون فى صالح الفرد وصالح الجماعة الوطنية ولا أبالغ لو قلنا فى صالح الجماعة الإنسانية، ولكن إعداد المواطن على هذه الأرضية الثقافية التى تساهم فى إعداده وتكوينه إعدادًا وتكوينًا وطنيًا ومنتميًا وسويًا بعيدًا عن أى تطرف يرفض الآخر أو مغالاة تعادى الموضعية أو انحياز فى غير موضعه، فهذا يعنى أن تؤدى الثقافة بطرقها وأساليبها وأشكالها مثل السينما والمسرح والكتاب والموسيقى والفنون التشكيلية والتراثية وكل أنواع الفنون دورًا تكوينيًا للشخصية، فالفنون بكل مصنفاتها هى المربى للإحساس الراقى والمكون للعواطف الحساسة والداعم للروح الشفافة، أى أن الفنون هى الأداة التى تحدث التوازن والوسطية بين الروح والجسد حتى لا يطغى أحدهما على الآخر فيحدث الخلل، بل إن الأبحاث العلمية والطبية أثبتت أن الفنون خاصة الموسيقى الراقية قد أصبحت أحد أدوات علاج الأمراض الجسدية، الشىء الذى يجعلنا نضع الثقافة والفن فى الإطار الصحيح حتى تؤدى دورها الصحيح والمطلوب. فهل وزارة الثقافة ومؤسساتها وما هو مطروح من أنواع الفنون يعون ويدركون هذا الدور المهم وإلهام فى تكوين الشخصية؟ 
لا أعتقد ذلك. وذلك لأن النظرة الصحيحة لدور الفن والثقافة غائبة تمامًا، فدور الثقافة لا ولن ينفصل عن مجمل الأدوار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالمجتمع الذى يؤثر ويكون الفرد هو مجموع هذه المجالات والتأثير مشترك. ولكن نحن هنا نتحدث عن دور الفن والثقافة باعتبار أنهما الأدوار المباشرة والمؤثرة فى تكوين العواطف والإحساس خاصة فى مجال الأغنية التى تؤثر بشكل خطير فى هذا وبشكل تراكمى وغير مباشر، نعم لكل زمن ولكل جيل أدواته وظروفه الحياتية التى تؤثر فى المنتج الفنى، ولكن هذا على مستوى الفرد وتكوينه تربيته، ولكن على المستوى الرسمى لا بد أن يكون هناك منهج ورؤية وخطة ثقافية وفنية تساهم فى تكوين شخصية سوية منتمية ومدركة، فالمسرح ابو الفنون أصبح الآن مسرح الإفيهات الرخيصة «ما يسمى بمسرح مصر»، والأغنية ساهمت وتساهم فى انحطاط الذوق وبالتالى انحطاط الأخلاق فنرى ما نراه فى الشارع من مهازل لا علاقة لها لا بالتاريخ المصرى ولا بالهوية المصرية بكل مكوناتها، والسينما يقود إنتاجها تجار اللحوم والمقاولات بمفهومهم وثقافتهم المناسبة لهم، حتى التراث الشعبى المصرى وهو غنى بفنونه وإبداعاته وبحكمه المتخطية الزمن لا نستفيد منه الآن ولا نستفيد من الدور التاريخى الذى قامت به فرقة رضا وفرق الفنون الشعبية، أما الفن التشكيلى فهو الحرام والكفر والزندقة. فكيف نقيم التماثيل؟ ولذا قد تسرب هذا الفكر إلى مجمل الفنون وأصبح المقياس الشخصى الذى يتستر وراء الدين هو المقياس الفنى لنقد وتقييم الأعمال الفنية وكأنها أعمال دينية، نعم هناك مدرسة تسمى الفن للفن وهى تلك المدرسة التى يبرر بها كل ما يعرض من فنون هابطة، ولكن الثقافة والفن لهما دورهما التثقيفى والتعليمى والتنويرى المساهم فى بناء وتكوين الشخصية المصرية الوطنية، فهل نعى خطورة وأهمية الثقافة والفن ونفعل المؤسسات الثقافية ونعيد الدور الرائد للثقافة الجماهيرية التى تسمى الآن قصور الثقافة؟ حمى الله مصر وشعبها العظيم.