منذ قديم الأزل والنظام الانتخابى الفردى هو السائد فى جميع بلدان العالم التى عرفت الديمقراطية ومارستها، ولا شك أن الإغريق هم أصحاب الفضل الأول فى ظهور هذا النظام السياسى، وكلمة الديمقراطية كما هو معروف اشتقت من لفظى demos بمعنى الشعب وkratos بمعنى الحكم، ليصبح المعنى النهائى هو حكم الشعب، والمعنى الاصطلاحى هو حكم الشعب لنفسه، وتؤكد كتب التاريخ أن أزهى عصور الديمقراطية الإغريقية كانت ما بين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، تلك الفترة الذى شهدت ميلاد المسرح والفلسفة والعلوم، وظهر فيه سقراط وأرسطو وأفلاطون، إلى جانب قامات العلم مثل أبوقراط وإقليدس وغيرهما، وقد وضع "سولون" وهو رجل قانون يونانى أسس الديمقراطية وذلك من خلال بعض القوانين التى طبقها فيما بعد الحاكم "كليشنيس"والذى شهد عصره أول انتخابات برلمانية فى التاريخ، حيث تم تكوين مجلس الأربعمائة وهو أول مجلس نيابى عرفته البشرية وقد تم انتخاب أعضاءه من أبناء القبائل الأربع التى يتكون منها معظم الشعب الأثينى آنذاك، وأوكل لهذا المجلس مهمة مناقشة القوانين والقرارات، ولكن يجب الاعتراف بأن الديمقراطية اليونانية القديمة كانت منقوصة ومعيوبة، فقد استبعدت النساء والعبيد من الحياة السياسية، مما دفع كاتبا مسرحيا أغريقيا شهيرا هو أريستوفانيس ينتقد هذا الوضع فى مسرحية سماها "برلمان النساء" تلك المسرحية الهزلية التى تحكى عن مجموعة من النساء اليونانيات قررن السيطرة على الحكومة وإنشاء مجلس تشريعى يغير الكثير من القوانين الاجتماعية السائدة وقتها، ويساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق السياسية، وقد انهار النظام الديمقراطى الأثينى فيما بعد ودخلت البلاد مرحلة من الفوضى وسقطت الديمقراطية، لكنها ظهرت فى بلدان أخرى وحضارات تالية، ومع ظهورها الجديد عادت فكرة المجالس التشريعية أو البرلمان، وبالمناسبة فإن لفظ برلمان قد اشتق من كلمة فرنسية تعنى المناقشة والحوار، وطوال هذه العصور كانت فكرة انتخاب أعضاء تلك المجالس تعتمد على النظام الفردى المباشر، وكانت تختلف من بلد إلى آخر فى كيفية احتساب الأصوات، حيث تشترط بعض البلدان حصول المرشح على أكثر من خمسين فى المائة من أصوات الناخبين، بينما تشترط بلاد أخرى على حصول الناخب على الأغلبية بغض النظر إن كانت تصل إلى خمسين فى المائة أم لا، وذلك فى حال وجود أكثر من مرشح، وحين تم تأسيس أول برلمان حقيقى فى العصور الوسطى وهو البرلمان الأسبانى الذى تأسس فى عام 1118 ميلادية كان اعتماده أيضًا على الانتخاب الفردى، ذلك النظام الأشهر والمتبع فى مختلف بلدان الأرض كما ذكرنا، ولا شك أن لهذا النظام مميزاته وعيوبه، أما المميزات فتكمن فى معرفة الناخب المباشرة للمرشح وأما العيوب فتكمن فى حرمان النساء والأقليات من التمثيل البرلمانى واعتماد المرشح على سطوة القبلية وكثرتها العددية بغض النظر عن صلاحية الشخص لهذا المنصب أو المكان، ولتجنب تلك العيوب ظهر نظام القائمة النسبية فى منتصف القرن التاسع عشر وتحديدًا فى بلجيكا ثم فى هولندا والسويد، وذلك لضمان تمثيل الأقليات واختيارالكوادر التى لا تملك عائلات كبيرة، وقد انتقل هذا النظام إلى بلاد أخرى كثيرة حتى بلغ عدد الدول التى تتبع هذا النظام الآن أكثر من ستين دولة، وقد وجدت بعض هذه الدول غايتها فى هذا النظام الانتخابى لا سيما الدول التى تملك أحزابًا عريقة ذات توجهات أيدلوجية محددة، فالناخب لا يذهب لاختيار فرد بعينه وإنما يختار برنامجًا لحزب ينتمى إليه، ومعظم الدول التى تطبق هذا النظام الآن اجتازت مشكلات عدم تمثيل الأقليات أو النساء نظرًا للتطور الفكرى والحضارى الذى حدث لها خلال السنوات الأخيرة، وبالتالى فهى تعتمد على هذا النظام لانتخاب الأفكار الحزبية بغض النظر عن الأشخاص، وإذا كان المشرع المصرى قد اعتمد هذا النظام فى دستور 2014 لضمان تمثيل المرأة والشباب والأقباط فإننا نتوقف أمام بعض العيوب التى تجعل بعض المصريين غير متحمسين لهذا النظام، فى حين أن المعركة الانتخابية على المقاعد الفردية أكثر شراسة، فالقائمة قد تحوى أسماء لا يريدها الناخب، لكنه يجد نفسه مرغمًا على كل الأسماء التى وردت بها، حال إيمانه بالتصويت لقائمة بعينها، وهكذا يضطر الناخب إلى اختيار من لا يريده، كما أن غالبية الأحزاب فى مصر لا تملك شعبية على أرض الواقع، وبعضها لا يزيد عدد أعضاءها على مائة شخص، وبعضها لا وجود لها إلا على الورق فقط، وأظن أن أحدًا فى الشعب المصرى لا يعرف عدد الأحزاب الآن ولا أسماءها باستثناء خمسة أحزاب على الأكثر، ومن هنا فإن نظام القائمة لا يجد هوى عند الكثيرين من أبناء مصر خاصة فى ظل ضعف الحياة الحزبية، وأعتقد أنه من الضرورى أن ينظر مجلس النواب القادم فى هذا النظام الذى عرفته مصر مرة التسعينيات ثم عدلت عنه، وأما تمثيل الشباب والمرأة فقد يتحقق من خلال الكوتة، والقارئ لتاريخ الحياة البرلمانية فى مصر سيدرك أن الانتخابات الفردية تضمن نسبة مشاركة عالية من الناخبين، وصراع المرشحين على إرضاء الناخبين يؤدى فى النهاية إلى كثير من الخدمات لأبناء كل دائرة، كما أن الدوائر الفردية أصغر بكثير من دوائر القائمة.
آراء حرة
واحة الخميس..نظام القائمة الانتخابية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق