السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشفق الوردي وغروب العمر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في أحضان الشاطئ، أنتظر غروب الشمس كعادتي، أُحدِّث نفسي كيف ستكون إيقاع نغمات حياتي بعد الخمسين، إذ أتممت العقد الخامس أمس، هل سينجلي الوجه الآخر لتقدم السن ويتضح لي أن غروب العمر قد حانت ساعته ولاحت بوادره ؟
كنت أجلس أمدد قدمي على كرسي البحر، فلدغتني الفكرة كما لو أن سرطانا بحريا صغيرا قد لمس قدمي، انتفض جسدي وهب واقفا ثم أنعشني هواء البحر فمشيت نحو الصخرة الكائنة في آخر الشاطئ حيث ترتطم بها الأمواج وتنثر زبدها في الأجواء، اتخذت مكانا في أعلاها وأنا أردد في نفسي: "غروب العمر"، كلمة ثقيلة على الروح، غروب قد تطول أيامه، وربما يُرغمنا أن نسلم أنفسنا الى براثن الليل، لكن ما أن حانت لحظة الغروب واقتربت الشمس من صفحة البحر، حتى فتح الشفق أجنحته الوردية على اتساع الأفق، إذن لذلك الغروب أجنحة وردية ؟ كيف نسيت هذا؟ ، شفق وردي بألوانه المتدرجة البهية، وأنا أعشق الشفق، شفق الغروب .
طالما عشقت مشهد الغروب والشمس تنسحب بظلالها المنبثق من الأجواء إيذانا بحلول الليل، وتتهادى الأمواج مستسلمة في أحضان الرمال على شاطئ الغرام حيث يكمن العشق، فتقدم نفسها قربانا للبحر، تغوص فيه طواعية وتحيط بها أجنحتها بألوان قزح في هالة من الجمال والجلال، لطالما أودعت أمنياتي لديها قبل أن تختفي في ظلمات البحر لعلها تعود لي بيوم جديد محمل بدعوات مستجابة .
أحيانا تباغتنا أيام يجتاح فيها الشفق الوردي بقعا سوداء توشك أن تحيله الى ظلام دامس، فينتابني اليأس وأراني قزما في أرض العمالقة، واذا ما علت الهمة وتضخمت الإرادة، وكانا السبب في انتشالي من الغرق في أوهام النفس، تتملكني البهجة وأراني ماردا وحولي الأقزام، إنه منظار النفس الذي يضخم الأشياء ويقربها، فإذا ما انعكس اتجاهه يصغر الأشياء ويبعدها، فليس هناك ماردا طوال الوقت ولا قزما طوال الوقت، ليس هناك سعيدا في كل حالاته أو بائسا في كل حالاته، الشخص نفسه يُنظَر اليه في حالتين، عظيم هنا وصغير هناك، سعيد هنا وحزين هناك .
حينها أدركت الحقيقة التي لا أدري كيف غابت عني، ووجدتني أقف في حضرة الغروب كالمسحورة، يبتسم الرضا على شفتي وتحملق الأحلام في عيني، لأنني رأيت الغروب في حالة أخرى، رأيت حياتي بعد الخمسين بطريقة أخرى، رأيتها وكأنها إشراق يوم جديد، ميلاد جديد، ما ظننته تمهيدا لغيابٍ وشيك، جاء بعثا جديدا، فقد حان للشجرة بعد أن لبثت سنينا تنمو بجذعها الى الأرض، حان لها أن تخرج ثمارها وأزهارها .
ما دامت الرئتان تتنفسان وظل القلب ينبض، فإني أُلقي بقلبي الى قرص الشمس كي تتلقفه جنية البحر وتنفخ فيه من روحها ثم تطرق الباب المسحور ليفتح لها مارد الأحلام ويقبلها قبلة الحياة، فتتوهج السماء بذهبٍ أحمر وتبدو كالوردة اليانعة، ويضئ قلبي بألوان الشفق ويخبرني: أن أشرقي ببهجة اليوم الجديد، هذا يومك الثاني بعد الخمسين المفعم بالأمل، عيشيه ولا تفلتيه، وأنا أصدق ما يقوله قلبي، فقد اعتدت أن أصدق قلبي على الدوام.