الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إطلالة على أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بحل البرلمان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصدرت المحكمة الدستورية العليا على مدى تاريخها ثلاثة أحكام بحل البرلمان، تتعلق ببرلمان 1984، وبرلمان 1987، وبرلمان 2012، والجامع في الحالات الثلاث هو: أن جميعها كانت تُجرى فيها الانتخابات بنظام القائمة، سواء على جميع المقاعد أو على جزء منها؛ ولهذا قيل: إن عدم الدستورية يطارد نظام القوائم.
فلقد أثار نظام الانتخاب بالقائمة الذى جاء به القانون 114 لسنة 1983 لأول مرة، عديدًا من الانتقادات، كان من بينها ما تضمنه من ضرورة حصول الحزب على 8% من أصوات الناخبين في الجمهورية كلها، حتى يتسنى له التمتع بمزايا هذا النظام والتمثيل داخل مجلس الشعب.
ولقد زادت هذه الانتقادات الموجهة لنظام الانتخاب بالقائمة بصدور القانون 188 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الشعب؛ حيث عدَّل في نظام الانتخاب الذى جاء به القانون 144 لسنة 1983 ليجعل في إمكان المستقلين أن يدخلوا الانتخابات لعضوية مجلس الشعب بعد أن حرمهم القانون 114 لسنة 1983 من دخول المجلس، وظهر أن هذا التعديل الذى جاء به القانون 188 لسنة 1986 إنما جاء توقيًا لحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون 114 لسنة 1983 فيما تضمنه من حرمان المستقلين من دخول الانتخابات.
أولا: (برلمان 1984) عدم دستورية ترشح الحزبيين فقط.
برلمان 1984م هو أول برلمان تُصدر المحكمة الدستورية العليا حكمًا بحله، وذلك بعد إنشائها في عام 1979، وهو أول مجلس يتم انتخابه في عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك.
وصدر قرار حل المجلس في عام 1987 بعد ثلاث سنوات من انعقاده، وحكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قوانين الانتخابات الذى انتخب على أساسها هذا المجلس؛ حيث اقتصر حق الترشح في الانتخابات على الحزبيين فقط دون حق المستقلين في الترشح للانتخابات.
وذكرت المحكمة أن قرار دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الشعب في عام 1984، وإجراء الانتخابات بنظام القوائم الحزبية النسبية المشروطة، تسبب في حرمان المستقلين من الترشح لعدم وجود مقاعد فردية واقتصار حق الترشح على الحزبيين والانتخاب من بين الأحزاب فقط، إضافة إلى عدم حق المستقلين في تشكيل قائمة انتخابية في منافسة الحزبيين، الأمر الذى اعتبرته المحكمة الدستورية مخالفًا لمبدأ المساواة بين المواطنين الذى نص عليه الدستور.
ثانيًا: برلمان 1987 (اتساع دوائر الفردى وعدم التكافؤ في تقسيمها).
عقب حل مجلس 1984 تم انتخاب مجلس جديد في العام نفسه 1987، وذلك بعد تعديل قانون الانتخابات ليسمح للمستقلين بالترشح على المقاعد الفردية وتخصيص مقعد فردى واحد لكل دائرة، بينما يتم انتخاب باقى أعضاء الدائرة بنظام القوائم الحزبية المغلقة.
ولكن صدر حكم بعدم دستورية هذا القانون أيضًا في عام 1990؛ حيث ذكرت المحكمة أن هذا التعديل نتج عنه اتساع الدوائر المخصصة للمقاعد الفردية عن الدوائر المخصصة للقوائم الحزبية.
وهو ما تنعدم معه عدالة المنافسة نتيجة تقسيم الدولة إلى ثمان وأربعين دائرة انتخابية، وذلك بنص القانون على الجمع بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردى في كل دائرة من هذه الدوائر الكبرى على اتساع مساحتها وترامى أطرافها وضخامة عدد سكانها، فإنه يستحيل على المرشح الفردى المستقل مباشرة حقه الدستورى في الترشيح على قدم المساواة وفى منافسة انتخابية متكافئة مع مرشحى القوائم المنتمين لأحزاب سياسية تساندهم بإمكانياتها المادية والبشرية التى تعجز عنها طاقة الفرد.
كما ذكرت المحكمة أن القانون لم يراعِ في تقسيم الدوائر الانتخابية مبدأ المساواة التقريبية بين عدد الناخبين الذين يمثلهم النائب في كل دائرة، مما يترتب عليه اختلاف الوزن النسبى لصوت الناخب من دائرة إلى أخرى، فضلًا عن التمييز بين المرشحين بحسب انتماءاتهم السياسية، حيث حدد القانون لنظام الانتخاب الفردى في جميع الدوائر الانتخابية ثمانية وأربعين مقعدًا نيابيًّا بواقع مقعد واحد في كل دائرة انتخابية يتنافس عليه المرشحون المستقلون مع غيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية، بينما ترك لمرشحى القوائم الحزبية على مستوى الجمهورية باقى المقاعد النيابية التى يبلغ عددها أربعمائة مقعد، وكل ذلك يؤدى إلى المساس بحق الترشيح والإخلال بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة بالمخالفة للمواد: 8، 40، 62 من الدستور.
لم ينفذ رئيس الجمهورية الأسبق، حسنى مبارك، حكم المحكمة، فاستمر مجلس الشعب قائمًا نحو أربعة أشهر حتى 26 سبتمبر1990، حينما أصدر الرئيس الأسبق قرارًا بوقف جلسات المجلس، واستخدم صلاحياته في دستور 1971 المعمول به آنذاك، ودعا الشعب للاستفتاء على حل مجلس الشعب في 11 أكتوبر1990بقرار سياسى من رئيس الجمهورية وليس تنفيذًا لحكم المحكمة، لكنه راعى إصدار قانون جديد للانتخابات بالنظام الفردى لتلافى العوار الدستورى في نظام الانتخاب بالقائمة الذى حكمت المحكمة بعدم دستوريته.
وبعد صدور قرار رئيس الجمهورية الأسبق الذى تجاهل حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب منذ انتخابه ودعا للاستفتاء على حله، تلقت المحكمة في 4 أكتوبر 1990 دعوى "منازعة تنفيذ"، تشبه تلك التى تلقتها بشأن قرار الرئيس محمد مرسى في عام 2012.
طلب المدعى الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب في يوم 11 أكتوبر 1990 شاملًا جميع آثاره، مع الحكم تبعًا لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة 1990 بعدم دستورية المادة الخامسة (مكرر) من قانون مجلس الشعب، وبطلان عضوية أعضاء المجلس وتشكيله.
وقبل موعد الاستفتاء بيومين، أصدرت المحكمة حكمها في دعوى "منازعة التنفيذ" وقضت في 9 أكتوبر1990 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، مستندة في ذلك إلى أن قرار رئيس الجمهورية دعوة الشعب إلى الاستفتاء يُعدُّ عملًا من أعمال السيادة التى لا تخضع لرقابة القضاء، وقالت: "إنه من الأعمال السياسية التى تتحمل السلطة التنفيذية كامل المسئولية السياسية بصدد إجرائها بغير معقب من القضاء".
ثالثًا: (برلمان2011) السماح للحزبيين بالترشح على المقاعد المخصصة للفردي.
ولا تختلف أسباب حل مجلس الشعب 2012 كثيرًا عن الأسباب السابقة التى تمَّ حل مجلس الشعب على أساسها في عام 1990، حيث نص المرسوم بالقانون الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إجراء الانتخابات البرلمانية بالجمع بين نظامى القوائم الحزبية النسبية المفتوحة، والنظام الفردى، وقد حدد القانون نسبة ثلثى المقاعد للقوائم الحزبية والثلث للنظام الفردى، مع حق الحزبيين في الترشح على المقاعد الفردية دون إعطاء غير الحزبيين حق الترشح على القوائم الحزبية.
ولقد أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا شهيرًا في هذا الخصوص أثار كثيرًا من اللغط، وذكرت في أسباب حكمها أن المادة 38 من الإعلان الدستورى الصادر في 30 مارس 2011م المعدَّل بالإعلان الدستورى الصادر في 25 سبتمبر 2011م نص على أن (ينظم القانون حق الترشيح لمجلسى الشعب والشورى وفقًا لنظام انتخابى يجمع بين القوائم الحزبية المغلقة والنظام الفردى بنسبة الثلثين للأولى والثلث للباقى الثاني)، وكان مؤدى عبارات هذا النص، في ضوء مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، وقواعد العدالة، أن حصر التقدم للترشيح لعضوية مجلس الشعب فيما يتعلق بنسبة الثلثين المخصصة للانتخاب بنظام القوائم الحزبية المغلقة في المنتمين للأحزاب السياسية، يقابله قصر الحق في التقدم للترشيح نسبة الثلث الباقى المحدد بالانتخاب بالنظام الفردى على المستقلين غير المنتمين للأحزاب السياسية.
وقد اعتنق المشرع الدستورى هذا النظام هادفًا إلى إيجاد التنوع في التوجهات الفكرية والسياسية داخل مجلس الشعب، ليصير المجلس بتشكيله النهائى معبرًا عن رؤى المجتمع، وممثلًا له بمختلف أطيافه وتياراته وتوجهاته، ومستوعبًا له لتضطلع بدورها الفاعل في أداء المجلس لوظيفته الدستورية المقررة بنص المادة 33 من الإعلان الدستورى، ومما يناقض تلك الغاية ويصادمها ذلك النهج الذى سلكه المشرع بالنصوص المطعون عليها، فقد أتاح لكل من مرشحى الأحزاب السياسية إحدى فرصتين للفوز بعضوية مجلس الشعب، إحداهما بوسيلة الترشيح بالقوائم الحزبية المغلقة، والثانية عن طريق الترشيح للنظام الفردى، بينما جاءت الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المرشحين المستقلين غير المنتمين لتلك الأحزاب مقصورة على نسبة الثلث المخصصة للانتخاب بالنظام الفردى، يتنافس معهم ويزاحمهم فيها المرشحون من أعضاء الأحزاب السياسية، الذين يتمتعون بدعم مادى ومعنوى من الأحزاب الذين ينتمون إليها، من خلال تسخير كافة الإمكانيات المتاحة لديها لدعمهم، وهو ما لا يتوافر للمرشح المستقل غير المنتمى لأى حزب، الأمر الذى يقع بالمخالفة لنص المادة 38 من الإعلان الدستورى، ويتضمن مساسًا بالحق في الترشيح في محتواه وعناصره وتكافؤ الفرص، دون أن يكون هذا التميز في جميع الوجوه المتقدمة مبررًا بقاعدة موضوعية ترتد في أساسها إلى طبيعة حق الترشيح وما تقتضيه ممارسته من متطلبات، والتى تتحقق بها ومن خلالها المساواة وتكافؤ الفرص، فضلا عما يمثله ذلك النهج من المشروع من إهدار لقواعد العدالة التى أكدتها المادة نفسها.
وأكد الحكم على أن العوار الدستورى الذى أصاب النصوص المطعون فيها يمتد للنظام الانتخابى الذى سنَّه المشرع بكاملة، سواء في ذلك نسبة الثلثين المخصصة لنظام القوائم الحزبية المغلقة أو نسبة الثلث المخصصة للنظام الفردى، وأوضح الحكم في أسبابه أن تقرير مزاحمة المنتمين للأحزاب السياسية للمستقلين غير المنتمين لأى منها في الانتخاب بالنظام الفردى كان له أثره وانعكاسه الأكيد والمتبادل مع نسبة الثلثين المخصصة للقوائم الحزبية المغلقة، إذ لولا مزاحمة المنتمين للأحزاب المستقلين في الثلث الباقى لحدث إعادة ترتيب داخل القوائم الحزبية، بمراعاة الأولويات المقررة داخل كل حزب.
وانتهت المحكمة الدستورية في قضائها إلى أن انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، ومؤدى ذلك ولوازمه ـ على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن تكوين المجلس بكاملة يكون باطلًا منذ انتخابه بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون اعتبارًا من التاريخ المشار إليه دون حاجة إلى اتخاذ أى إجراء آخر، كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة، وإنفاذًا لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة طبقًا لصريح نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا.
إلا أن ذلك لا يؤدى البتة إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة، وحتى تاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات قائمة على أصلها من الصحة؛ ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة، وذلك ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستوريًّا، أو يُقضى بعدم دستوريتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا.
ولقد أثار هذا الحكم اعتراض البعض، على اعتبار أن حجية الحكم من وجهة نظرهم تثبت لمنطوقه فقط، والمنطوق قررت فيه المحكمة عدم دستورية بعض نصوص المرسوم المنظم لانتخابات مجلس الشعب، ولم يرد في المنطوق ما يتعلق ببطلان تكوين مجلس الشعب برمته؛ بل كان ذلك في حيثيات الحكم وأسبابه، وهو قول مردود عليه بأن الحجية تكون للمنطوق والأسباب أيضًا متى كانت مكملة ومفسرة للحكم، فإذا كانت المحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تملك تفسير حكمها بناء على طلب يقدم لها ولا يعد ذلك ماسًّا بحجية حكمها، فلا شك أنها تملك تفسير منطوق هذا الحكم.
كما قيل في هذا الخصوص: كيف لسلطة غير منتخبة أن تحل سلطة منتخبة؟! فما أنتجته الإرادة الشعبية لا يمكن حله إلا من خلال تلك الإرادة، وهذا قول مردود عليه بأن المحكمة الدستورية العليا هى الحارس الأمين لإرادة الشعب بحسبانها السلطة التى تراقب دستورية القوانين، وتحول دون طغيان السلطة التنفيذية أو انحراف السلطة التشريعية، فالمسألة ليست من قبيل سمو سلطة على سلطة، وإنما الهدف هو الحفاظ على نصوص الدستور وصونها بما يكفل الترسيخ لمبدأ دستورية الحكم، وحماية الحقوق والحريات العامة للأفراد.
ولكن من الغريب أنه بعد أن تولى محمد مرسى الحكم أصدر قرارًا جمهوريًّا يقضى بإلغاء قرار حل البرلمان الصادر من المحكمة وعودة مجلس الشعب المنحل للعمل مرة أخرى، وهو القرار الذى نددت به القوى السياسية المعارضة لمرسى واعتبرته تدخلًا في شئون القضاء، غير أن جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى لها مرسى، وحزب النور السلفى أيدا الرئيس الأسبق فيما ذهب إليه.
ولم يستمر المشهد ضبابيًّا كثيرًا؛ إذ سرعان ما أصدرت المحكمة الدستورية قرارها بوقف تنفيذ قرار الرئيس الأسبق محمد مرسى باستمرار مجلس الشعب في العمل، بعد ساعات من انعقاد مجلس الشعب لمدة 12 دقيقة في جلسة إجرائية أحال المجلس بمقتضاها ملف شرعية استمرار انعقاده من عدمها إلى محكمة النقض، والتى بدورها قضت بعدم اختصاصها في الأمر وأعادته للمحكمة الدستورية العليا.
وانتهى الأمر حينها بإصدار مرسى بيانًا رئاسيًّا أكد فيه تقدير السلطة القضائية، وكذلك التزامه بالأحكام التى تصدر عنها.