السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

النيو نورمال.. شيء ما مفقود!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلال ما يقرب من 9 أشهر مضت ظلت أسئلة عن الوضع الطبيعي الجديد "النيو نورمال" تشغل بالنا وتراود خيالنا كيف سيكون المستقبل؟ لكن الآن وبعد عودة الحياة لطبيعتها في مصر على الأقل أصبحنا نسأل: هل ثمة تغيير أو فرصة له؟ 
الحقيقة أن فهمنا للتغيير أنه مرحلة ومضت، فترة عانينا فيها من توابع الإغلاق الكلي والحجر المنزلي الإجباري، لكن عادت ريما لعادتها القديمة، سنجد مفهوم التباعد الاجتماعي بات من الماضي، سنرى حياة أكثر من طبيعية في كل الأندية ووسائل النقل وقريبًا المدارس حتى تقع الفأس في الرأس، بل حينما تتحدث للبعض عن قواعد النيو نورمال سينظر لك بدهشة وكأن كورونا خيال علمي. 
سوف أستعير هنا جملة برتولت بريخت "شيء ما مفقود" من أوبرا " صعود وسقوط مدينة مهاجوني" والتي كانت أيضا عنوان مناقشة مهمة دارت بين إرنست بلوخ وتيودور أدرنو حول اليوتوبيا ومصيرها، إذ يقول بلوخ:" عندما أستيقظ صباحا أقول دعائي اليومي:"امنحني اليوم وهمي، امنحني وهمي اليومي؛ لأن الأوهام أصبحت ضرورة لا غنى عنها للعيش في عالم يخلو تماما من أي ضمير يوتوبي وحس يوتوبي". 
وإذا ما طبقنا هذه المقولة على التسعة أشهر الماضية فهنا يمكن فهمه في عمليات الشراء الهيستيرية المتزايدة التي قمنا بها عبر الإنترنت خلال فترة الحجر، إنها محاولة كما يرى أدرنو أن يرى المرء نفسه مخدوعًا دائمًا. هي محاولة من البشر للعيش حياة طبيعية لم يمسسها التغيير" محاولة لمنع العالم من أن يتحول لما هو ممكن". 
تلك الأوبرا التي كتبت عام 1930 وكانت تمثل نقدًا حادًا لمظالم الرأسمالية المتوحشة والقيم الأمريكية الاستهلاكية التي انتشرت – للأسف- بفضل العولمة، انتقدها بريخت بعد أن عايش المجتمع الأمريكي الذي فر إليه هربًا من مظالم النازية.
السؤال هو كيف سنعبر للمستقبل إذا كنا لا نزال نريد حياة الماضي ونستعيده يوميا؟ العلماء يجاهدون بحثًا عن الحد الزمني لنهاية العولمة؟ وما بعد كورونا وكيف سيكون شكل العالم، وهل بدأت تلك المؤشرات للتغيير الاقتصادي والجيو سياسي في الظهور؟! بينما نجد أن الشعوب تفضل الجمود واستمرار الوضع كما هو عليه، واستمرار أمريكا في زعامة العالم، حتى أن المخاوف الشعبية العالمية من صعود الصين باتت قوية ولها مبرراتها، فهناك نبذ للصين وتخوف من تمكنها كقوة عالمية. وهو للحق تخوف قديم، ففي التسعينيات أذكر جيدًا مقالات وأخبارًا عن صناعة الصين لألعاب مضرة للأطفال، وتم منع استيراد الألعاب منها في عدة دول، هكذا تكونت لدينا الصورة النمطية عن الصين، أما الجيل الحالي فينظر لها على أنها موطن الأوبئة. 
قد نكون جميعا نعيش في مسرحية هزلية تم إخراجها إذا ما تبين أن الفيروس تم تصنيعه أو التعجيل بظهوره تمهيدًا لمستقبل يفرض علينا فرضًا، ألا وهو العيش الافتراضي كل الوقت بدلًا من أن نعيش متأرجحين بين الواقعي والافتراضي. أن يكون تمهيدًا لما سوف تمليه علينا شبكات الجيل الخامس من تعلق تام بالإنترنت وشبكات التواصل، خصوصا ما شهدناه من نجاح غير متوقع لـ" تيك توك".. أنت في الحجر وليس أمامك مفر من أن تكون على الإنترنت تغذي هذه الشبكة وتنميها من حياتك ووقتك! صانعًا ذكريات افتراضية يجوز جدًا أن تمحى في لحظة، فهي ذكريات افتراضية!. 
هل سيأتي اليوم وتتذكر فيه مثلا كيف كنت تجري محادثة افتراضية مع شخص ما؟ هل ستتذكر الوقت الذي كنت تمضيه في إعداد الفيديو على تيك توك؟ مقارنة بذكرياتنا عن لقاء الأسرة والأصدقاء وطقوس الذهاب للشاطئ والمصيف، لا أظن أن لهذا الجيل ذكريات تعينه على المضي قدمًا في مستقبل مبهم وافتراضي. 
أظن أن الذي ساعد جيلنا على تخطي مرحلة القلق والهلع من الفيروس والموت الجماعي هو أننا عشنا حياة طبيعية لا يمكن مقارنتها بالحياة الطبيعية الجديدة، وللأسف كلا الجيلين اختبر" اليوتوبيا السيئة" العيش الافتراضي!. لقد عشنا في عالم مغلق ليس فيه مساحة" غير رأسمالية" كل ما يتحكم في حياتك وأنت في المنزل رأسمالي يريد أن ينزعك الحياة والأموال بل والسعادة أيضا بعد أن تنفق ما في الجيب وتصبح مديونا. فهل إذا تحولنا كليا للعيش الافتراضي العمل من المنزل، والتعليم عن بعد في المنزل، والإنفاق الإلكتروني، والزيارات الافتراضية مع الأقارب، هل هذا سيجد سبيلاً لمجتمع يوتوبيا؟! الحقيقة المرة: لا! إننا جميعا نعيش في مهاجوني!.