طريقة حازم الببلاوي في إدارة أمور الحكومة - والتي أسمّيها "الببلاويزم" - فريدة بمعنى الكلمة، لأنها تناقض – على الجملة – ما أعلنه من توصيف حكومته بالثورية والديمقراطية.
ومن الوقائع التي رصدتها مؤخراً ورأيتها بمثابة بيان عملياتي أو تمرين مشهور – بلغة الرياضيات – دال على "الببلاويزم"، دعوة رئيس مجلس الوزراء لرؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة إلى مقر رئاسة الوزراء لإعلامهم ببعض الأمور التي رأى وجوبية في معرفتهم بها، وأختزل انطباع عن تلك الجلسة - للتدليل على سمات وملامح الببلاويزم - في النقاط التالية:
• أولاً: كان مشهد "استدعاء" حازم الببلاوي لرؤساء تحرير الصحف مزعجاً لي بالكلية وبالتفصيل، إذ لا أظننى صادفت مسألة استدعاء رؤساء التحرير – تلك – إلا في مصر، وفي أزمنة كنا نصفها بالتسلطية، وبالنظرة الاستعلائية الاستكبارية على الصحافة، والمستهينة بحرية التعبير، لا بل ولا يجد المرء في مخيلته ما يشابه حكاية "استدعاء" الصحفيين إلا المشهد الفلكلوري التراثي من "ألف ليلة وليلة" الذي يصيح فيه السلطان: "آتوني بالخروف المحشي والراقصات والجواري"، فيجيء الجميع إليه مهرولين منكفئين.
لا ينبغي – ابتداء – في بلد ديمقراطي يحترم نفسه، أن يستدعي رئيس الوزراء قادة الصحافة إلى اجتماع لم يطلب عقده أحد منهم، فهذا فيه قدر من الولاية على الصحافة لا يقبلها أي صاحب قلم يعتز بمهنته ويقدر مكانتها، رئيس الحكومة يستطيع أن يدّعي تبعية الصحافة القومية له - ولو أن فيي ذلك مغالطة كبرى - ولكن تصوره لتبعية الصحافتين الحزبية والمستقلة له هو أمر خارج عن المنطق، ويجافي تعريف الصحافتين، وتوصيف مهنة رئيس الحكومة في آن واحد.
ماذا يتصور حازم الببلاوي حين ينادى الصحفيين للاجتماع بهم؟، وهل أجابوه انصياعاً لرغبته في الهيمنة أم استشعروا الحرج أمام رجل بلغ من العمر أرذله، واحتل منصباً رفيعاً في الدولة التي ما زال لها حضور كبير في وجدان النخبة الثقافية والمهنية المصرية؟!، ثم ما هى طبيعة ذلك الشكل الذي هندسه الببلاوي للاجتماع؟، يعنى ماذا يُسمّى؟، هل هو (لقاء) أم (جلسة) أم (ندوة) أم (قعدة) أم (حالة مصطباوية)؟، يعني لا بد أن يكون قادة الصحف عارفين بذلك الشيء الذي دعاهم حازم إليه.
ومن غير المعقول أن تكون كل علاقتهم بالاجتماع أن حازم ناداهم فلبوا النداء، لا بد من حضور بعض الكبرياء المهني الذي يمنع أصحابه من تلبية دعوة جماعية كتلك من رجل ليست له صلاحية "الإملاء" على الصحافة، إذ أن الاجتماع – بالشكل الذي خرج به وبالمناقشات التي رشحت عنه – يوحي بأن الرجل أراد أن يملي على الصحفيين بعض ما يراه في القضايا العامة لكي يلتزموا به.
• ثانياً: هناك ما يعرف في الصحافة باسم التلقين أو التلخيص Briefing الذي يدلي به المسؤول إلى الصحفي - إذا طلبه ذلك الصحفي - وفي مواضيع وملفات بعينها يحددها الصحفي وفقا لاهتماماته وصحيفته، أما أن يقرر رئيس الوزراء إعطاء تلقين أو تلخيص يراه للصحفيين في موضوعات يراها، وبالطريقة التي يراها، فهذا مسلك يحتاج إلى إفهام رئيس الوزراء مسائل عديدة تتعلق بمهنة الصحافة التي سمعت منه عبارة عنها تدل على جهله الشديد بها، إذ قال لي ذات مرة في إحدى جلساته بنادىي"هليوبوليس": "الصحفيين دول يا أخيي.. تقولهم صباح الخير يقولولك لأ قولنا بونچور"، يعنى فهم حازم للصحافة هو أنها مهنة عدد من الشركاء المخالفين، الذين اختصروا كل شغلتهم في معارضة أي شيء وكل شيء، ولذلك – فيما يبدو - قرر حازم ألا يعطي لهم فرصة للمعارضة التي يرى أنها كل ما يجيدونه، وأن يحدد هو جدول أعمال "القعدة المصطباوية" والملفات المطروحة فيها.
• ثالثاً: إذا أراد رئيس الوزراء أو أي مسؤول - صغر أو كبر - أن يخاطب الصحافة على نحو جماعي، فإن طريقة الوحيد إلى ذلك هي عقد ما يسمّى بـ "مؤتمر صحفي"، والجرائد حرة في أن تحضره أو لا تحضره إن لم يدخل في اهتمامها، ولكن ما دعا حازم إليه ليس مؤتمراً صحفياً، لأنه حدد مستوى تمثيل الصحف فيه بأنه مقصور على رؤساء التحرير، وهذا يشي بأن هدفه لم يك إخبار الصحافة بشيء، وإنما كان الهيمنة على تسيير خط كل صحيفة عن طريق ربط رؤساء التحرير بالسلطة التنفيذية بوسائل عديدة، ضمنها تلك الاستدعاءات إلى قعدات الببلاوي المصطباوية التي يحدد مواعيدها وجداول أعمالها وقتما يرى.
الأصل هو أن يدعو رئيس الوزراء أو أي مسؤول آخر إلى مؤتمر صحفي، ثم يحدد رئيس تحرير كل صحيفة مستوى تمثيل صحيفته، سواء بدرجة مندوب أو رئيس قسم أو مدير تحرير أو يحضر المؤتمر بنفسه، أما أن يعتدي حازم الببلاوي على الأعراف والأصول، ويمارس هذا القدر من الهيمنة والإملائية والاستعلاء على الصحافة، فذلك – في الحقيقة – يضم الصحافة إلى حزمة موضوعات أخرى يشملها السيد رئيس الوزراء بجهله وجهالته.
والسؤال الذي ألفت حازم إليه هو: "لقد درست في فرنسا، فهل رأيت – لعمرك – رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في باريس ينادي على رؤساء التحرير للاجتماع به كمثل سلاطين المماليك: "يا ڤالاد، هات الخروف المحشي والراقصات والجواري والصحفيين"، هذا نهج فاشل ومقرف يثبت أن الببلاويزم غير موجودة إلا فى ذهن صاحبها، الذي آن أوان غيابه ورحيله إلى غير رجعة".