وقعت في يدى بعض أقوال العباقرة عن الزواج بالأمس. أرسلها لى أحد القراء محاولًا إقناع نفسه بالزواج من فتاة. أخبرنى أنه لا يحبها لكنها فتاة ممتازة. هو لا يثق بوجود كيمياء تغزل علاقته بها. وهو لا يثق أيضًا بعلاقات تستقر للأبد. قال كما يقول الجميع: "هاتجوز لأنى لازم أتجوز.. هاختار من المتاح أمامي". وهذا من وجهة نظرى ليس زواجًا. فالزواج قبل كل شيء سعادة بالأنس. "تكون ونسان باللى معاك".
لا تعنى ثقافة "الونس" مجرد شخص تتحدث إليه. بل هى أكبر من ذلك، فالشخص الذى "يؤنسك" يتواجد داخلك حتى في صمتك وصمته. يسبر غورك. يطاردك في أفكارك. يأتى إليك وتأنى إليه. وهذا هو "السكن".
ربما كان غياب السكن هو السبب في معاناة كثير من العباقرة مع الزواج. لنجد فولتير يقول مقولة تستحق التأمل: "الزواج هو المخاطرة الوحيدة، التى يقبل عليها الجبان" فكيف رأى فولتير صاحب المسرحيات العميقة من الزواج نهاية للشجاعة بمخاطرة كبيرة. فأنت تخاطر بأن تخرج من الشجاعة إذن وليس بأن تدخل مضمارًا لإثبات ذاتك من وجهة نظره. ونجد لأوسكار وايلد قولًا طريفًا: "أيى في الزواج أن تتزوج كل النساء، وألا يتزوج جميع الرجال".. فهو يرى أن الزواج يريح كل النساء ويتعب جميع الرجال. لا شك أن هذا الكلام ينطبق على سيدات الماضي. ولا حاجة بنا للحديث عن التحولات التى طرأت على حياة المرأة الآن ومكاسب الحريات التى غيرت طرق ومطارق حياتها. نجد يأسا عبثيًا إلى حد ما في مقولة باتريك موراى حين قال: "أصابنى سوء الحظ مع كلتا الزوجتين.. الأولى تركتنى، بينما الثانية لم تفعل". فهو يرى أن الخسارة لاحقة بك لا محالة سواء كنت زوجًا أو خرجت من مؤسسة الزواج.
إن العباقرة يجدون في الزواج تحديدًا لحركتهم ومطالبة دائمة لهم بتقسيم حياتهم على اثنين أو أكثر، بينما هم يجدون صعوية أصلًا في إدارتها وهم فيها وحدهم. إذ يرون الكثير ويريدون فعل الكثير مما يخلتفون فيه عن الأفراد ذوى الطاقات العادية. لذا ظل الزواج تحديًا كبيرًا لهم. وكانت حياة بعضهم الزوجية مثارًا للجدل، كما رأينا في حياة الإخوة بين الكاتب الكبير جورج برناردشو وزوجته شارلوت تونسند، وكذلك بين غاندى وزوجته.
كشف الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام ٢٠١٩م، ارتفاع عدد حالات الطلاق بنسبة قدرت بـ٦.٧٪ في العام الماضى مقارنة بالعام ٢٠١٧، حيث بلغ عدد شهادات الطلاق ٢١١ ألفًا و٥٥٤ شهادة العام ٢٠١٨ مقابل ١٩٨ ألفًا و٢٦٩ شهادة طلاق للعام الذى قبله، حيث ارتفعت نسب الطلاق في المدن عن الريف بنسب كبيرة وصلت إلى ١٢.٥٪ مقابل ٠.٥٪ وزادت النسب بين الشابات من عمر ٢٥ إلى أقل من ٣٠ عاما. وببساطة يعد أحد أسباب الطلاق الكبرى عدم وجود مبرر كاف للزواج من الأساس.
لا تتزوج إن لم تشعر بالونس.. لا تتزوج إن لم تشعر بالرغبة في البقاء الطويل.. لا تتزوج إن شعرت بأنك تريد فقط الانتقال للمرحلة الثانية أيًا ما كانت اليد التى ستنقلك إليها.. لا تتزوج إن لم تشعر أن الزواج لا يكون زواجًا إلا مع هذا الشخص.. لا تتزوج إن لم تشعر بأن كل المقارنات بين حالك الآن وحالك بعد الزواج هى لصالح حالك بعد الزواج.. وأخيرًا قبل أن تتزوج اسأل نفسك سرًا: "قد لا أحب هذا الشخص حبًا جارفًا. لكن هل أحب الزواج به؟" فالزواج ليس علبة مخملية ولا قفصًا ذهبية بل سفينة، واعلم أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن كثيرًا. أحيانًا يصبح امتلاك ماكينة إعداد القهوة أجدى نفعًا من التورط في بعض الزيجات.
nahlaelhourani@gmail.com