انشغل جمال حمدان في مشروعه العربي بسبره أغوار العمق "الجيوبوليتيكي" للجغرافيا السياسية العربية، مفصصا نقاط الضعف والقوة بها، وانعكاس ذلك على الشخصية بكل أثرها، في الفعل ورد الفعل، حين ركز على تتبع الحقب التاريخية ومفاعيل الإنسان فيها انسجاما مع ظروف الجغرافيا، أو معاندا لما فرضته لحظة تاريخية أستلزمت أشتراع الموقف منها، وحمدان المترسم مشروعه " دراسة شخصية كل دولة على حدة " بدافع انتمائه الفاعل لعروبته، نراه يحيط المسألة الجغرافية ببعديها التاريخي: الأقليمي، والدولي.
وفي تعريفه لعلم الجيوبوليتيكي: أنه العلم الذي يضع الدولة ككائن حي في ميزان حساس، وتحت مجهر دقيق وموضوعي،وكما هو،ليقيس وزنها السياسي وموقعها في عالم السياسة،ووقعها عليه،محليا وأقليميا ودوليا، واستمرارا لمشروعه: دراساتٍ بحثية، وكتب،ومقالات، قارب المسألة في بلده مصر، والسودان والعراق والأردن، وطال بدأبه البحثي النظائر الجغرافية بين أسيا وأروبا، كما وجاء كتابه عن الجغرافية السياسية الليبية الموسع تحليلا، حين أقام بليبيا لسنوات،، في فصول تسعة،واصفا ليبيا في تحولاتها: من صندوق الرمال إلى صندوق من الذهب (النفط)، مركزا على التطور الجيوبوليتكي وتحليل القوة، وبخارطة منهجية حاشدا المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بتعليلات التطور الجيوبوليتكي، وضوابطها ومتغيراتها وثوابتها، عبر رصده، ووقوفه عند محطات بعينها في التاريخ الليبي. وخصص فصلا في الكتاب حول دراسة السكان والعمران مركزا على نمط توزيع السكان، مع استكشافه الحلول الممكنة والواجبة لعلاج أوجه القصور والضعف في القارة الليبية!، والتي منحها للمخططين التنمويين في ليبيا السبعينيات، حين فرض الاقتصاد الأقليمي الانتقال من المجتمع الرعوي إلى مجتمع البترول والمدن.
ومما كتبهُ أن مجموع الخصائص التي سلط عليها الضوء في الجيوسياسي الليبي،تتناقض ولكن يُكمل بعضها بعضا،وأن ليبيا ككيان "دولة طبيعية"،وأنها دولة "جغرافية" لا دولة سياسية، أي من صنع الجغرافيا،لا من فرض السياسة إلا أنها – حسبهُ- " دولة طبيعية بالمعنى السلبي نوعا ما معنى المنطقة الفضلة نسبيا،ثم هي بعد،دولة واسعة إلى حد بعيد، ليست تماما فراغ قوة،ولكنها أنخفاض قوة محقق".
ورغم أهمية أعادة الطبعات من هذا الكتاب، لكن تشويها شاب أحدى طبعاته،وهي الطبعة التي جرى وضعها على الشبكة الإلكترونية (bdf)، بالتدخل في عنوان الكتاب، ثم إضافة فصل كامل حول السلطة السياسية التي نظّر لها القذافي في كتابه الأخضر، كما ولوائح وتشريعات، لا علاقة لها بمتن الكتاب، مما يُحمل من ارتكب تلك الإساءة قانونا، بما يتعلق بالمساس بحقوق الملكية للمؤلف، الذي لو تابعنا منتجه على مدى سنوات عطائه، نتبين أن ما ميزه كعالم وخبير في مجاله، تركيزه في المسألة الجيوسياسية، وطرحه الأسئلة وأثارته الفرضيات التي لم يألو جهدًا للنبش فيها بحثا عن الإجابات عبر مسارب التاريخ والجغرافيا، ثم ربطها بإنسان المكان كونه المُحرك، والمُتحرك وفق راهن لحظته.
نقرأ في مقدمة الكتاب النسخة الأصل " دراسة في الجغرافية السياسية الليبية" ذي الثلاثمائة صفحة بطبعة مكتبة مدبولي 1972م، إشادة بالجهد والمشروع الجليل والأصيل في مادته، من المؤرخ الفلسطيني على صدقي دجاني الذي ألتقى خبير "الجغرافيا السياسية" العربي الأول وقتها "جمال حمدان"، فدجاني أتخذ "الكتاب" منهجا جامعيا دَرّسهُ لطلابه بجامعة طرابلس فور صدوره عام 1972م، وجمعتهما جلسات نقاش حوله، لما اعتبر سفرا هاما، ومرشدا عن جيوبوليتكي ليبيا إلى يومنا هذا.