الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في ذكراه الخمسين.. العاصمة الإدارية على طريق السد العالى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمامًا كما أن السد العالى كان مشروع الدولة لإدارة حركة النيل، وحماية مدن وقرى المصريين من فيضان النهر تأتى العاصمة الإدارية كرمزية لمشروعات الدولة العملاقة في المدن الجديدة لإدارة وتنظيم حركة الناس وحماية وادى النيل من فيضان البشر.
حجم المخاطر والكوارث التى تنتج عن الانفجارات السكانية داخل وادٍ ضيق لا يقل بأى حال عن تلك الكوارث التى تتسبب فيها فيضانات الأنهار؛ وتجسد الظواهر العشوائيات في كل شىء أحد ملامح تلك المخاطر والكوارث بدءًا من البناء العشوائى بكل صوره، مرورًا بغياب هيبة القانون وسلطة الدولة وصولًا إلى سوء إدارة الموارد والثروات الطبيعية ومن ثم تراجع فرص العمل، وليس انتهاء بشيوع كل أشكال الفساد من محسوبية ووساطة وانعدام تكافؤ الفرص والرشوة.
إعادة توزيع المواطنين على المساحة الجغرافية لإقليم الدولة يحولهم تلقائيًا إلى ثروة بشرية ويسهل عملية إدارة علاقتهم بالدولة من ناحية وإدارة مصالحهم وتحسين فرصهم في الحياة من ناحية أخرى؛ ذلك أن إعادة التوزيع ترتبط في الأساس بخلق مجتمعات عمرانية منتجة وهذا ما عملت عليه دولة الثلاثين من يونيو في أغلب المشروعات الإسكانية الجديدة التى ارتبطت بمناطق صناعية أو مشروعات زراعية جديدة.
خمسون عامًا مضت على رحيله ومع ذلك ما زال الجميع يذكر اسمه مسبوقًا بلقب "الزعيم"، انه الحاضر بمشروعه الوطنى الغائب بجسده الرئيس جمال عبد الناصر.
لم يكتسب ناصر صفة الزعامة من خطبه السياسية النارية، وإنما لأنه كان صاحب مشروع وطنى لبناء دولة قوية حديثة قاعدتها العدالة الاجتماعية والاستقلال السياسى، وبناء اقتصاد وطنى قوى عبر مشروعات صناعية وزراعية، وبناء مجتمع متقدم علميًا ليس فقط لإتاحة التعليم للجميع وإنما الاهتمام بالمراكز البحثية والعلمية في شتى المجالات وفى القلب منها علوم الطاقة الذرية.
تلك كانت الملامح الأساسية لدولة الثالث والعشرين من يوليو، وبالمناسبة عملت هذه الدولة على دراسة أخطاء بعض تجاربها منها على سبيل المثال تجربة القطاع العام وهناك مؤتمر شهير عقدته المؤسسة العامة في مطلع الستينيات خرج عنه عدة توصيات تشخص وتعالج عيوب القطاع العام التى ما زلنا نتحدث عنها حتى اليوم؛ وهناك حوارات للأديب والسياسى يوسف السباعى وزير الثقافة الأسبق انتقد فيها اهتمام دولة يوليو بالتعليم الجامعى على حساب التعليم الفنى الصناعى ما تسبب في تراجع مستوى العامل والحرفى المصرى.

أى أن عقل دولة يوليو كان يمارس عملية نقد متواصلة ربما كانت حرب الاستنزاف التى خاضتها الدولة المصرية ضد إسرائيل بعد أيام من هزيمة يونيو 1967 أحد عناوينها وشواهدها الرئيسة.

أول من أساء للتجربة الناصرية هم أولئك الذين جاؤوا بعد رحيل عبد الناصر ورفعوا شعاراته وسموا أنفسهم بالناصريين لأنهم أوقفوا وعن عمد عملية نقد التجربة وفى نفس الوقت جعلوا منها كتابًا مقدسًا يريدون فرض وتطبيق توصياته وتعاليمه على كل واقع مهما تغير الزمان والمكان.
دولة الثلاثين من يونيو لم تبتعد عن روح دولة يوليو فاستقلال القرار السياسى يبقى الهدف الأسمى وله ثمن ندفعه جميعًا عبر تحمل أعباء عملية الإصلاح الاقتصادى، فلا سبيل لاستقلال سياسى بعيدًا عن تقدم ونمو الاقتصاد.
العدالة الاجتماعية تتحقق ولكن طبقًا للظروف الجديدة أحد أوجهها المباشرة القضاء على العشوائيات في الأماكن الخطرة، وإنهاء قوائم الانتظار للعمليات والعلاج على نفقة الدولة، ويمثل رفع الدعم عن الطاقة أحد أوجه العدالة غير المباشرة والتى ساهمت في ترشيد استهلاك البنزين والكهرباء من ناحية ومنعت القادرين من الاستفادة من الدعم الذى يستحقه الفقراء فقط وبالمناسبة شرائح استهلاك الكهرباء المختلفة حتى 1000 كيلو واط ماتزال مدعومة؛ أضف إلى ذلك تشييد المجمعات الصناعية ومشروعات استصلاح الأراضى وبناء الصوبات الزراعية وغيرها من مشروعات ساعد على توفير المزير من فرص العمل ودفع حركة النمو الاقتصادى وخفض معدلات التضخم حتى 3% في أغسطس 2020 رغم التحديات التى خلقتها جائحة كورونا.

دولة الثلاثين من يونيو مضت على طريق دولة يوليو في بناء نظام تعليمى حديث يتماشى مع مطلبات العصر وسعت لبناء جيش قوى حديث مكنها من توسعة نفوذ أمنها القومى، وأحيت تواجدها في الدوائر الأفريقية والعربية والإسلامية التى رسمها عبد الناصر وأضافت إليها الدائرة الأوروبية عبر تدشين منظمة غاز شرق المتوسط.
مجمل القول أن مشروع عبد الناصر لبناء دولة قوية حديثة لا يزال قائمًا وتمضى على هديه دولة الثلاثين من يونيو بأدوات حديثة ومعاصرة.