الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البحث العلمى والتعاون الدولى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يظن الكثير أن البحث العلمى يحتاج إلى أموال طائلة ومراكز بحثية متخصصة وفرق بحثية متعددة، وأن مصر لا تتوافر فيها هذه المقومات. وهذا ليس صحيحًا، لأن هناك مجالات كثيرة خاصة في المجال الطبى، لا تحتاج إلى أموال أو مراكز أو فرق بحثية، وإنما تحتاج فقط إلى باحثين مشغفين بالبحث عن الجديد، وعندهم المقدرة على التواصل مع باحثين في دول أخرى. وفى هذا المقال نحاول أن نلقى الضوء على نماذج مشرفة لباحثين مصريين استطاعوا أن يشاركوا في أبحاث دولية عظيمة الأثر ومفيدة للبشرية، تم نشرها في أعظم المجلات العلمية، وهم يمارسون عملهم داخل الجامعات ومراكز الأبحاث المصرية.
ففى الأسابيع القليلة الماضية، تم نشر أبحاث عن الجينوم المصرى في مجلة الناتشر (Nature) المرموقة، شارك فيها باحثون من جامعة المنصورة مع د صالح إبراهيم، خريج طب المنصورة الذى يعمل في جامعة لوبيك في ألمانيا. وتم كذلك نشر بحثين في مجلة العلوم (Science) عن تأثير الطفرات الجينية على حدة فيروس كوفيد ١٩ المسبب لمرض كورونا، شارك فيه باحثون من طب المنصورة مع عدة باحثين من معظم دول العالم. وهناك أمثلة أخرى كثيرة لباحثين مصريين أقاموا شراكات علمية ناجحة مع باحثين دوليين، وساهموا في تحقيق إنجازات علمية لأنفسهم، وفى رفع ترتيب الجامعات المصرية بمشاريع بحثية ممولة دوليا دون تكلفة باهظة أو إمكانيات هائلة.
ومن هذه الأمثلة المشرفة، الزميل د. رضا عبدالهادى الشوكى، أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب المنصورة، والذى حصل على درجة دكتوراة الفلسفة من جامعة أراسموس في هولندا يوم الثلاثاء الماضى بعد مناقشة الرسالة التى تقدم بها إلى الجامعة عن طريق تكنولوجيا الزووم. د عبدالهادى قام بإجراء أبحاث علمية إكلينيكية وجينية عن «الحمل العنقودى وأورام المشيمة» بالتعاون مع باحثين من جامعة المنصورة وعدة جامعات أخرى، الأبحاث كانت أفكارها بسيطة وتنفيذها لم يكن مكلفا، ولكنها كانت عظيمة الأثر لفهم موضوع الرسالة. أحد هذه الأبحاث كان تحليلا جينيا لمريضة مصرية عانت من تكرار الحمل العنقودى، وقام الباحث بأخذ عينة دم وإرسالها إلى معمل متخصص في لندن وتم اكتشاف خلل جينى لم يتم وصفه من قبل. بحث آخر كان وصف لحالة سيدة مصرية عانت من نزيف رحمى لمدة عامين، مما استدعى عمل استئصال للرحم. المفاجأة أن التحليل أثبت وجود حمل عنقودى كان يمكن اكتشافه بإجراء اختبار حمل، وعلاجه بعلاج كيماوى غير مكلف. المفاجأة الأكبر هى قبول أحد أعظم المجلات الدولية (اللانست) على نشر الحالة باعتبارها تقدم درسا مفيدا لممارسة مهنة الطب.
من الأمثلة التى ذكرناها، نجد أننا نمتلك ميزة نوعية يفتقدها الآخرون، وهى وفرة وتنوع الحالات المرضية. ويمكن بسهولة ودون عناء أو تكلفة مادية أو تجهيز معامل متقدمة إجراء الأبحاث الإكلينيكية العشوائية المنضبطة التى يحترمها العالم. الشروط التى يفرضها العالم هى وجود قانون يسمح بإجراء الأبحاث السريرية ووجود باحثين قادرين على تخصيص الوقت الكافى لاجراء الابحاث، والأمانة العلمية في عرض النتائج. وهذا ما قاله بالضبط البروفيسور كارت بيرجر وهو يعرض حيثيات قرار اللجنة بمنح د رضا عبدالهادى دكتوراة الفلسفه من جامعة أراسموس، حيث قال «يجب أن نتقدم بالشكر للباحث لأنه قام بإجراء أبحاثه في ظروف صعبة وفى ظل إمكانيات محدودة في بلده مصر وفى جامعة المنصورة. الباحث كان يعمل في الجامعة صباحا ثم يذهب للعمل الخاص في عيادته في المساء لكى يعول أسرته. 
واختتم د بيرجر حديثه قائلا: أتمنى أن تدرك السلطات المصرية أهمية البحث العلمى، وأن توفر للباحثين المتميزين دخلا يسمح لهم بالتفرغ لممارسة البحث العلمى والعمل الأكاديمى فقط.
ما قاله د. بيرجر قاله أستاذنا الدكتور محمد غنيم منذ عدة عقود، وهو ضرورة تفرغ أعضاء هيئة التدريس للعمل في الجامعات فقط وضرورة أن تضمن لهم الجامعات دخلا يوفر لهم حياة كريمة. 
أعتقد أننا نستطيع أن نشارك العالم في تقديم أبحاث علمية جيدة إذا كانت عندنا الرغبة في تخصيص الوقت والجهد والمال الذى يتطلبه ذلك.