ثلاثة مسارات ملتهبة يعيشها الرأي العام المصري. انتخابات البرلمان وأكاذيب الجزيرة عن مظاهرات، وملف التصالح في مخالفات البناء، وكل يغني على ليلاه. غليان الجزيرة المتظاهر أوهام تأسست على تجارة في صناعة الغضب لن نقف لأن الرد الرسمي المصري على الأرض تحسمه الأيام. وهناك الكثير والكثير يمكن قوله عن ملف انتخابات البرلمان ومن قبله ملف انتخابات الشيوخ ولكنني أرى ملف التصالح أهم لأن الانتخابات عمرها سنوات خمسة وتزول أما بيوت الناس فهي الباقية الخالدة لذلك نفتح الحوار متمسكين بخيط الأمل أن نجد اذنا مستمعة بفهم ووعي ووطنية.
الذي حدث هو أن تراكم عمره خمسين عاما من الفوضى والعشوائية قد ترك في جبين العمران المصري وصمة عار لن يمحوها قرار التصالح منفردا، وبشكل علمي نقول إن ما تأسس بشكل تراكمي يتم تغييره بشكل تراكمي ايضا وبهدوء ومن خلال خطة محكمة .. لدينا سبعة وعشرين محافظة بمصر تضم 249 مدينة و185 مركز و4655 قرية والارقام يعرفها جيدا جهاز التعبئة والإحصاء .. الاعتداء والعشوائية والإهمال مناهج متكررة بإتقان لذلك تصبح العودة إلى تصحيح المسار في حاجة ماسة إلى منهج متقن أيضا. . القرارات التي تصدر بشكل عام دون مراعاة لفروق وتمايزات بين منطقة وأخرى لا تخلق إلا عشوائية أخرى في التنفيذ.
ويصبح النموذج التجريبي الإرشادي هو العاصم والمحفز لكل الناس لكي تستقيم مع المعمار وتلتزم بأدوات التحضر فالمشاريع التي تنمو وهي في حماية الناس هي المشاريع المضمون نجاحها مئة في المئة. . لذلك مازلت أرى أن البداية ممكنة برصد عشرة او عشرين منطقة سكنية بكل محافظة.. والبدء بالتخطيط وليس التصالح التخطيط لإعادة رسم المنطقة المخالفة بشوارع حضارية وميادين ومناطق خدمات ومراعاة الثوابت على الأرض التي قامت بفعل السنين .. وبعد اعتماد المخطط والحوار حوله مع القيادات الطبيعية بكل منطقة مخالفة .. نبدأ في التصالح وتحصيل الغرامة وازالة الزوائد وهدم العوائق التي تغلق الطرق مع التعويض المناسب.. عشر مناطق أو عشرين بكل محافظة لتصبح أمثلة نموذجية حضارية يحميها الناس ويدافعون عنها .. بل سوف تطالب كل المناطق المخنوقة بالحواري ان تدخل خطة التطوير .. بالصبر والعزيمة والإصرار نؤسس لمصرنا الجديدة الخالية من العشوائيات.
ولو كنت صاحب قرار في مصر لفرضت شعار المهندس الخبير حسب الله الكفراوي الذي يقول "لا بناء بدون ترخيص ولا ترخيص بدون تخطيط" هذا الشعار يجب ان تكتبه إدارات الأحياء على جدرانها ليعرف الفاسد منهم أن قدسية التخطيط تسبق الدرج المفتوح.
هذا من ناحية العشوائيات التى تأسست على الأرض منذ عشرات السنين أما من ناحية العدوان المنظم على الأراضي الزراعية فكلنا نعلم أن الحيتان الكبار قد تحولوا إلى خبراء تبوير وتقنين الأرض إلى سكنية من خلال ما يسمونه برسوم التحسين ويحصدون المليارات .. وهنا نرى ان على الدولة قطع الطريق على هؤلاء من خلال التعامل المرن المحكوم بقواعد في مسألة الأرض الزراعية.. هل تحتاج الدولة أن اعدد لها عدد الجمعيات الزراعية التي تحولت أراضيها إلى مبان بفرض الأمر الواقع وذلك لوجود اراضي تلك الجمعيات في قلب الكتلة السكنية .. هنا على الدولة ان تأخذ بزمام المبادرة من خلال منهج المشاركة مع اصحاب الأراضي ومجالس إدارات الجمعيات .. دفن الرؤوس في الرمال وعدم مواجهة الواقع يستفيد منه المخالفين وتخسر الدولة..
التصالح على المخالفات لا يعني أن المخالفة انتهت البيوت التي تسد مخارج الشوارع هي مخالفات تحتاج إلى جراحة ولا يجب التصالح معها .. التطوير واجب وضروري ومهم ولكن الإبداع والخيال الملهم في تنفيذ التطوير هو الأهم.