الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محمد فريد خميس.. «الفريد» في زمانه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان محمد فريد خميس قد رحل عن دنيانا، فإن أمثاله تبقى ذكراهم ماثلة للأبد بين الجميع. لم يكن صديقى مبالغًا حين قال لى: «الله يرحمه.. ناس كتيرة زعلانة عليه»، فالذين اقتربوا من الراحل الكبير يعرفون حقيقة دوره وإسهاماته من أجل هذا الوطن وشعبه الطيب الأصيل.

يستقبلك بوجه بشوش، وفى قمة التواضع والرقى.. لا يعرف التعالى على خلق الله، ولا يستهين بأى إنسان يلقاه، فكان طبيعيًا تلك البيانات التى صدرت تنعيه، فلقد كان بالفعل عاشقًا لكل حبةٍ من تراب الوطن ورائدًا للصناعة الوطنية، ورفع اسم مصر في محافل دولية كثيرة.
ها نحن نقرأ في بيان المشيخة، أن الأزهر الشريف «لن ينسى جهوده وتبرعاته السخية في إنشاء المعاهد الأزهرية بالقرى الأكثر احتياجًا، ووقوفه بجانب الفقراء والمحتاجين من خلال مؤسسته الاجتماعية»، وسجلت الكنيسة الأرثوذكسية، في بيانها أنها «تذكر بكل إعزاز الدور الاجتماعي المهم الذى قدمه لأبناء الوطن من خلال مؤسسته الاجتماعية، ودعمه لدور العبادة، وإسهاماته في الترويج لمسار العائلة المقدسة بإنتاج مجموعة من المنسوجات المتميزة التي تجسد الزيارة المباركة لمصر».
وقد لا يعلم كثيرون ذلك الموقف الوطنى العظيم الذى تصدى فيه لجماعة الإخوان أثناء وجودها في السلطة في تلك السنة السوداء من تاريخ مصر، وهو موقف اتخذه بضمير وطنى خالص ودون زعيق أو ادعاء.. فالراحل الكبير لم يكن من أولئك الذين «عاموا على عوم الإخوان»، ولا من أولئك الذين أفردوا صفحات كاملة يعاهدون فيها الرئيس الإخوانى على العمل بإخلاص «في ظل سيادة الرئيس محمد مرسى»!.
الرجل، وبمنتهى الذكاء ودون أى مزايدة أو متاجرة باسم الوطن، وفى صمت النبلاء، تصدى لمخطط إخوانى أردوغانى للسيطرة على الاقتصاد المصرى.. فقد كان يستشرف المستقبل، وخطط «قبل أحداث 25 يناير» لإنشاء مصنع للنسيج في تركيا ضمن توسعاته العديدة في دول العالم، لكنه لاحظ عقب وصول الإخوان للحكم أن مخططًا تركيًا إخوانيًا يجرى طبخه للهيمنة على السوق المصرية، واستشف ذلك من مخاطبات تلقاها من «جمعية ابدأ» التى أسسها القيادي الإخواني حسن مالك لفتح الطريق أمام الغزو الاقتصادي التركي لمصر، فكان قراره السريع بسحب عرضه على تركيا بإقامة مخازن تمهيدًا لإنشاء مصنع هناك، وكان القرار بمثابة صرخة في وجه الإخوان مفادها: «لا لأردوغان.. وسنحمي صناعتنا المصرية من أى غزو أو أفكار شريرة».
لقد كان محمد فريد خميس، بحق، «فريدًا» وسط مجتمع الصناعة والمال والأعمال، يعى الدور الحقيقى للصناع والمستثمرين بأبعاده المختلفة، فلا ينظر إلى زيادة أرصدته البنكية ولو على حساب حق المجتمع والناس، وكان يؤمن بأنه لا سبيل للنهوض إلا بالتنمية المستقلة، وبدور فاعل لمن يملكون المال.
كانت له رؤية متكاملة في هذا المجال، ومن حقه علينا، وقد صار بين يدى الرحمن، أن نستعرض رؤيته باختصار.
بحكم رئاسته للاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، قال منذ سنوات طويلة: «الاتحاد طالب بزيادة الضرائب على الفئات الغنية، ولكن هناك فئات عارضت ذلك بحجة أنه عائق للاستثمار»، وشرح فكرته بالتفصيل في عدة أحاديث صحفية، وزاد على ذلك وطالب الحكومة بضرورة التدخل في الأسواق وتسعير المنتجات الوطنية، وذلك «بحساب تكلفة المنتج وتحديد هامش الربح المناسب ومراقبة الأسواق لصالح المواطن محدود الدخل».
ماذا قال أيضًا رحمه الله؟.. لقد طالب بفرض رسم تنمية على عدة شرائح لمدة ثلاث سنوات «فقط لا غير»، واقترح أن يدفع كل من يصل دخله إلى خمسة ملايين جنيه، سنويًا، ٣٪ من هذا الدخل، ومن يصل دخله إلى ٢٠ مليون جنيه يدفع ٥٪ سنويًا، ومن يصل دخله إلى ٥٠ مليون جنيه يدفع ٧٪.
سألته ذات مرة: ما تطرحه يرفضه رجال الأعمال، فكان رده ببساطته المعهودة: «لا بد أن يدفع الأغنياء أكثر، وإذا كانت الرأسمالية بطبعها متوحشة، فلا بد من قوة متمثلة في الحكومات لحماية الطبقات الأقل دخلًا».
هكذا كان يرى أن هذا هو أساس الاقتصاد الحر، فالدول الرأسمالية الكبرى تتدخل للتسعير إذا لزم الأمر.. والاقتصاد الحر ليس رأسمالية السداح مداح التى انتشرت في بلادنا وليس رأسمالية تدليع الكبار ولا تزهيق الغالبية في معيشتها.
محمد فريد خميس كان يؤمن بالإنسان أساسًا لنهضة الأوطان، وقف دائمًا بجانب الفقراء والمحتاجين من خلال مؤسساته الاجتماعية، وأقام صروحًا صناعية وتعليمية، تسهم في نهوض البلاد، ويعمل بها الآلاف من المصريين. ولم تتوقف مساهماته في العمل العام عند أي حدود.. رحم الله فقيد الوطن، وأسكنه فسيح جناته.